على عكس ما رجّحه الكثير من المراقبين والمحللين للشأن التركي والمنطقة، بعدم جدية التصريحات التي ألقاها الرئيس التركي أردوغان، خلال مشاركته في ندوة نُظّمت بمدينة إسطنبول يوم 13 سبتمبر من هذه السنة، وقال فيها “نفكر أن نطلق عملية مماثلة لدرع الفرات في العراق”، جاءت التطورات الأخيرة في الموقف التركي لتوضح لنا إصراره على المشاركة في معركة الموصل. فبعد أن مدّد البرلمان التركي موافقته لتواجد الجيش التركي خارج الأراضي التركية لمدة سنة أخرى، نشبت أزمة دبلوماسية شديدة بين أنقرة وبغداد، أسفرت تداعياتها على انجلاء واضح لهذا الموقف التركي على الرغم من الرفض العراقي له. وقد ذكر موقع “هبر ترك” نقلا عن وزير الدفاع التركي، قوله “إننا سننفذ حتما عملية الموصل، وسنذهب حتى مدينة الباب في سوريا”.
أسئلة بحاجة لإجابة
فيا ترى هل اتخذت تركيا التدابير اللازمة سياسيا وعسكريا لمثل هذا التدخل العسكري، والحيلولة دون التورط بحرب ربما لن تكون لها نهاية قريبة؟ لاسيما وأن من تحاربهم، ليسوا بجيش نظامي، سواء كان تنظيم داعش أو حزب العمال الكردستاني أو احتماليات التصادم مع مليشيات الحشد الشيعي. وهل تريد تركيا فعلا تكرار تجربة درع الفرات بالعراق على الرغم من أن الأدوات التي تمتلكها في العراق ليست مثل التي في سوريا؟ وهل قامت تركيا بزيادة قوة المسلحين العراقيين المساندين لها في العراق؟ وإن كان الجواب لا، فهل هذا يعني أنها ستعتمد على قدراتها العسكرية بشكل أساسي؟ وهل تراهن بغداد على مساندة أمريكية أو إيرانية مباشرة في تصديها للتدخل التركي؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة، سيحدد لنا ما إن كانت تركيا سائرة إلى ورطة عسكرية، أم إنها ستحقق أهدافها وتخرج منتصرة من هذه المعركة.
حجم التواجد التركي الحالي في العراق وأدواتها على الارض
إن لتركيا قوات عسكرية داخل الأراضي العراقية متوزعة على ثلاث قواعد عسكرية صغيرة، عوضا عن قاعدة بعشيقة، هي قاعدة غيريلوك (40 كلم شمال العمادية) وكانيماسي (115 شمال دهوك) وسيرسي (30 كلم شمال زاخو)، ومجموع أفراد القوات التركية يقدر ب 2000 جندي معززين بمختلف أنواع الأسلحة، وتلك القواعد العسكرية فُتحت قبل مدة طويلة عبر اتفاقات مع الحكومة العراقية السابقة، وكان الهدف منها هو محاربة تنظيم حزب العمال الكردستاني الذي ينتشر بالجبال القريبة من الحدود العراقية التركية، ويشن حرب انفصالية ضد تركيا. ونضيف لتلك القوات التركية قوات المتطوعين من أهالي الموصل والتابعين لأثيل النجيفي ويبلغ عددهم 3000 مقاتل، كما وتتردد أنباء عن دعم تركيا لفصيل مقاوم عراقي يسمى “جيش النقشبندية” وهو أمر ينبأ عن أن تركيا بدأت التعامل مع فصائل المقاومة العراقية لكي تحاول من خلالهم مسك الأرض في الموصل أو في مناطق أخرى ربما تخطط تركيا للتدخل فيها. ويلاحظ أن تركيا تحاول الاستفادة بشدة من المتطوعين السنة فيما يسمى الحشد الوطني (جماعة أثيل النجيفي) إضافة إلى فصيل جيش النقشبندية وربما فصائل أخرى، وذلك لشن حرب مشابه للحرب التي يشنها تنظيم داعش أو أية مليشيا مسلحة رافضة للتدخل التركي، بسبب صعوبة التصدي لحرب عصابات قد يشنها التنظيم او مليشيات الحشد الشيعي من قبل جيش نظامي. لذلك فإن من غير المرجح أن تعتمد تركيا بشكل كامل على قواتها وحدها في تنفيذ هذه العملية العسكرية.
المسوغات القانونية للتدخل التركي
تمتلك تركيا مسوغات قانونية لتدخلها هذا، فبحسب ما يفيد موقع “تايم تركيا“، بأن تركيا هي أحد أطراف التحالف الدولي ضد داعش، ويحق لها الانتشار العسكري في العراق بهدف محاربة داعش دون الحصول على موافقة بغداد، مثلها في ذلك مثل دول التحالف الموجودة في سوريا حاليا دون الحصول على موافقة بشار الأسد. كما وأن تركيا شاركت في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سوريا والعراق بناءً على دعوة مجلس الأمن لها عام 2015. وأن المجلس يعترف بكون تركيا إحدى الدول المتضررة من إرهاب داعش، الذي استهدف المدن التركية وحدودها الجنوبية خلال العامين الماضيين. ووفقاً لاتفاقية أنقرة 1926 ومعاهدة لوزان 1923، يحق لتركيا تأمين حدودها بالتدخل العسكري في العراق أو سوريا، خصوصا أن الاتفاقية تمنح تركيا الحق في المشاركة في أي قرارات تخص استقرار أو انفصال أو الحكم الذاتي لمدينتي الموصل وكركوك بالعراق.
الولايات المتحدة لن تساند بغداد ضد أنقرة
كون تركيا هي دولة من دول حلف الناتو، فمن غير المرجح أن تساند الحكومة الأمريكية بشكل مباشر بغداد في حربها ضد القوات التركية إذا ما اندلعت، بالأخص في المرحلة التي تمر بها أمريكا الآن، من خلافات عميقة مع روسيا بالموضوع السوري، إلى الوقت الحرج لأوباما لقرب انتهاء فترته الانتخابية مما يجعل إدارته موضوعا على هذا المستوى من الأهمية وفتح جبهة جديدة مع تركيا أمرا مستبعدا. ويضاف إلى ذلك ظروف الانتخابات الجارية في أمريكا. لكن يتوقع أن تلعب أمريكا دور التهدئة بين الأطراف المختلفة في هذه المرحلة، أو ربما دعم بغداد بشكل محدود سرا ضد تركيا لإطالة أمد الحرب واستنزاف تركيا.
الدعم العربي
يبقى هنا موضوع يجب على تركيا العمل به وهو الحصول على الدعم العربي في موضوع هذا التدخل، وعلى ما يبدو أن الدول العربية جادة في دعم الموقف التركي في تدخله بالموصل على الرغم من تخوفها من التقارب التركي الروسي الحالي، والذي حاول وزير الخارجية التركي خلال مشاركته في اجتماع الرياض الذي ضمّه مع وزراء خارجية الدول الخليجية، أن يطمئن الدول العربية، من أن هذا التقارب سوف لن يؤثر على موقف تركيا الثابت بالموضوع السوري، بل إنه قال إن هذا التقارب سيساعد في لعب تركيا دور الوسيط بين الطرف الروسي والدول العربية، كما وأن تصريحات وزير الخارجية السعودي تُنبئ عن دعم سعودي وخليجي للخطوات التركية بما يتعلق بالموصل حيث قال الجبير وزير الخارجية السعودي خلال مؤتمر صحافي مع نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو، إن الحشد الشعبي “مؤسسة ميليشيا طائفية انتماؤها لإيران، سببت مشاكل وارتكبت جرائم في أماكن مختلفة في العراق، وإذا ما دخلت الموصل قد تحدث كوارث”، وهو نفس الموقف التركي بخصوص تدخل تلك القوات في الموصل. فالدعم العربي مهم جدا، لكيلا تبقى تركيا وحيدة وتُحاصر خطواتها، كما هو الحال في الموضوع القبرصي الذي لم يتم الاعتراف في دولة قبرص التركية لحد الان. فهي خطوة مهمة لفك الحصار السياسي والدبلوماسي أذا ما مُورس على تركيا، كما ويجب على تركيا لعمل توافقات سياسية أوسع، من خلال إشراك دول أخرى في مساعيها السياسية الداعمة لها، مثل باكستان وماليزيا وأندنوسيا، إضافة لبعض الدول العربية القريبة من الموقف الخليجي مثل المغرب.
مواقف الدول الكبرى
أما على صعيد الدول الكبرى، فمن المرجح أن مواقف الاتحاد الأوروبي يمكن أن تكون داعمة للتحركات التركية، أو على الأقل تبقى على الحياد، وذلك من خلال ربط مصلحة أوروبا مع هذا التحرك التركي، ذلك لأنه سيحميها من موجات اللاجئين المحتملين القادمين إليها من الموصل إذا ما تم احتلال الموصل من قبل مليشيا الحشد الشيعي، وهو موضوع حساس جدا لدول أوروبا، وهذا ما يفسر لنا عدم قيام أي دولة أوربية بانتقاد رغبة تركيا بالتدخل في الموصل. أما بالنسبة لروسيا فإن التوافقات التركية الروسية الأخيرة بما يخص الشأن السوري قد أعطت ضوءا أخضرا لتركيا في تحركاتها بشمال العراق، على عكس موقف روسيا حينما نشبت أزمة بين أنقرة وبغداد السنة الماضية بخصوص معسكر بعشيقة، فقد دعمت روسيا حينها الموقف العراقي بشدة ضد تركيا. يبقى الموقف الأمريكي، وهي حاليا في موقف يجعل ردود أفعالها السياسية أكثر بطئا نظرا لانشغالها بالخلافات مع روسيا في سوريا، وكذلك موضوع الانتخابات الرئاسية التي تتحضر لها الولايات المتحدة حاليا. ولكن المتوقع من أمريكا لن يكون لها موقف رافض للتدخل التركي بالجملة، لكن سوف تحاول الحصول من تركيا على بعض الضمانات بما يخص وحدة الأراضي العراقية، ومن المؤكد أن تركيا ستعطي مثل هذه الضمانات للجانب الأمريكي.
موضوع الموصل بداية الخلافات التركية الإيرانية
إن التدخل العسكري التركي في الموصل يعتبر تحديا كبيرا لنفوذ إيران في العراق وسيكون مجرد البداية لمسلسل انهيار العلاقة التركية الإيرانية والذي سيأخذ جانبه العلني، ويتوقع أن تنشب حرب بالوكالة بين تركيا وإيران على الأراضي العراقية، وعلى هذا فإن على تركيا أن تراعي موضوع خلق أدوات فاعلة لها في العراق، من خلال تهيئة من يتبنى موقفها ويدافع عنه في العراق، وبسبب حالة الضغط التي يعاني منها السنّة حاليا وبحثهم عن حلول جذرية لإنهاء معاناتهم، فمن الحكمة أن تتبنى تركيا قضيتهم وتحاول مساعدتهم لضمان حقوقهم، وهذا يتطلب من تركيا أن تمضي قدما في طريقها لوضع حل جذري لمشكلة العرب السنّة في العراق. وبنفس الوقت يتطلب من جميع الأطراف العراقية الرافضة للهيمنة الإيرانية التعاون مع الطرف التركي في هذا الأمر.
المصدر:تركيا بوست