9 جمادى الأول 1438

السؤال

أنا عمري ٢٤عاما ومثقفة ولديّ شهادة بكالوريوس، وأبي إنسان عصبي جدا وغير متحضر بحيث أقل كلمه يضربني.. وكل فتره يتعارك معي على أبسط الأشياء ويتدخل بيني وبين أمي وإخوتي وبسبب الضرب الزائد لي، كسر شيئاً بداخلي وأصبحت متمردة، واليوم ضربني ضربا مبرحا، وأنا بصقت عليه، ورميت كيس الزبالة عليه ورميت الكاسات من العصبية الزائدة وفقدت التحكم في نفسي وصرخت على أمي كثيراً، وأنا نادمة كثيرا على أفعالي وأخاف من غضب الله عليّ، وأود أن أعتذر عن أخطائي لكن أبي غير متفهم ولا يقبل الاعتذار ويريد قتلي وحسب! ماذا افعل؟

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..

فإن لكل حادث سببا، وان كنت تحكين واقعا تعيشينه أيتها الأخت، فلتبحثي عن سبب غضب أبيك بهكذا حال.

 

وعلى فرض صحة كلامك أنه عصبي مزاجي لدرجة كبيرة، فما سبب غضبه منك بالخصوص؟ وما الذي أثاره منك؟!

 

فالأب يبقى بفطرته يحب أبناءه، وحبّ البنات والعطف عليهن أكثر، لكن قد تطرأ الظروف والأحوال أو المواقف، مع كون البعض يكون سريع الغضب، فتحدث منه الشدة على أبنائه.

 

ودعيني أعطيك قاعدة بسيطة تعالجين بها شأنك:

فبداية عليك التوبة إلى الله سبحانه من هذا الإثم، وتستغفري بين يدي الله سبحانه، وتعلمي أنه ما أصابك "فبما كسبت أيديكم"، ولاحظي، فما هو بما كسبت يد أبيك أو أمك، بل أنت السبب فابحثي عن السبب.

 

قد تقولين أنا ما أخطأت في حق أبي، قد لا تكونين أخطأت في حق أبيك لكن أخطأتِ في حق الله، قد تكونين متأخرة في صلاتك قد تكونين وقعتِ في إثم، قد تكونين ظلمتِ أحداً، ظلمتِ نفسك قصرتِ في حق الله فسلط أباكِ عليكِ..

 

انظري ماذا قال يعقوب لما جاء أبناؤه له يطلبون منه قالوا {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} قال: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} لأنهم أخطؤوا في حق الله قبل أن يخطئوا في حق أبيهم، فالمسألة ليست خطأ مع الأب فقط، بل الخطأ مع الله سبحانه.

 

فأنت ترين بصقك على أبيك خطأ في حق أبيك، والحق أنه خطأ في حق الله سبحانه ابتداء؛ لأنه هو من أمر ببر الوالدين والإحسان إليهما وقال: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} إذن أنتِ عصيتِ الله، إذا كانت الأف معصية فكيف بالبصق عليهم فهو أعظم من الضرب وشدة الكلام.

 

فتوجهي إلى الله بصدق وإخلاص وتضرعي وتصدقي وابكي بين يديه وعاهدي الله أنك لا تعودين.

 

ثم عليك أن تجتهدي في الاعتذار من أبويك، وأحسني إلى أبيكِ وبمقدار إساءتك إليه أو إساءتك لأمك فأحسني إليهم، وهنا تنقلب الحالة تماماً والأمر يعود بإذن الله غير ما توقعت {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].

 

وعليك بالصبر وعدم الاستعجال، ولا تقولي هم سببوا لي أزمة نفسية فلا أستطيع الصبر، إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يصطبر يصبّره الله.

 

وأخيراً إذا ضاق عليك يا أختي الأمر وشد عليك أبوك أو أمك فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة، كان يقول يا بلال أرحنا بالصلاة، توجهي إلى الله وابكي بين يديه، تضرعي، ارجعي، وهكذا يفرج الله عنك.