الدولة الطائفية: إيران تنقل أزمتها التكوينية إلى العراق
27 ذو الحجه 1437
طلعت رميح

نقلت ايران جوهر أزمتها التكوينية ومعضلة نظامها السياسي وحالة جهاز الدولة الإيراني كاملة الى العراق.

 

وهذا هو أحد الأوجه المهمة أو الرئيسية في الأزمة الحالية في العراق التي تفرض بدورها ضرورة دراسة أوضاع الحكم والدولة والنظام الإيراني، والتواصل مع معارضيه وضحاياه كشرط من شروط النجاح في فهم وادارة عملية تحرير العراق، وأن أي تعمق في بحث أزمة العراق الجوهرية الآن، لا شك يقود الباحث والمتابع إلى الاحتلال الإيراني وطبيعة ومؤثرات نقل ايران لنظامها وجهاز دولتها إلى العراق، أو بالدقة نقل جوهر أزمتها التكوينية أو الهيكلية كاملة إلى العراق.

 

وإذ يمكن القول مؤكدا إن الاحتلال الأمريكي هو سبب أزمة العراق وعنوانها وعنوان مآسي؛ فإن زوال الاحتلال العسكري الأمريكي، كان كفيلا بإزالة السبب المباشر للأزمة وما ترتب عليها من اختلالات مفاهيمية وسياسية وتنفيذية، ووطنية بالإجمال، غير أن أزمة احتلال العراق وشكل وحالة احتلال العراق، هي جد مركبة وتتطلب أنماطا متعددة من الإدراكات، فلو اقتصر أمر سبب أزمة العراق على الاحتلال الأمريكي – وحده -بأبعادها الوطنية (السياسية والاقتصادية والعسكرية)، لكان العراق تحرر واستعاد سيادته بعد التجربة المبهرة للمقاومة العراقية – التي أسقطت هيبة الجيش الأمريكي وإصابته بما بات يعرف بعقدة العراق - ولكان العراق الآن مساهما قويا وفعالا في قضايا الأمة.

 

كان انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية سيتبعه التوجه لبناء حكم وطني مستقل؛ إذ كان البديل الجاهز لحكم العراق، مقاومته وقواه الوطنية والإسلامية المنتصرة.

 

جوهر أزمة العراق هو في طبيعة الاحتلال المركبة، أو في ارتباط الاحتلال الأمريكي بالاحتلال الإيراني، وبالدقة في نقل ايران نظام حكمها وطريقة ونمط بناء دولتها الطائفي إلى العراق.

جوهر أزمة العراق يعود إلى أن اعادة تأسيس العملية السياسية العراقية (ومفترض أنها النظام السياسي للعراق) وجهاز الدولة العراقي بعد الاحتلال بمفاهيمه ورؤاه (أو ما يسمى بعقيدته)، قد جرت جميعها على النهج الطائفي أو على حكم طائفة محددة أو الحكم باسمها.

 

وبصراحة ودقة فالنظام العراقي (الجديد) بعد الاحتلال ليس نظام محاصصة طائفية - إلا من حيث الشكل في الاطار السياسي والدعائي -بل هو نظام قام منذ بدايته على تأسيس عملية سياسية وبناء جهاز دولة (بكافة مفاهيمه وشخوصه) يحقق امكانية الحكم باسم طائفة لباقي الطوائف – عبر مراحل انتقالية - وأنه ليس إلا نموذجا منقولا أو مستنسخا من نمط بناء وعقيدة الدولة والنظام السياسي الايراني القائم جوهريا على فكرة ومفهوم "حكم الطائفة".

 

ومن يتابع تطور العملية السياسية للاحتلال منذ المجلس الانتقالي إلى الوقت الراهن يمكنه التوصل ببساطه إلى تلك النتيجة.

 

لقد بدا تشكيل النظام السياسي وجهاز الدولة الجديد (للعراق المحتل) وكأنه تشكيل لنظام حكم يحقق حالة ادارة "سياسية" وقيادة تنفيذية دوراه بين ممثلي الطوائف الذين اختارهم المحتلون (الرئاسة الدورية لمجلس الحكم الانتقالي)، وانتهى الأمر الآن إلى حكم من اختارهم الاحتلال كمعبرين عن طائفة واحدة، ولا يغير من الأمر شيئا ما هو حاصل من الإبقاء على شكل رمزي وخداعي وديكوري، لتمثيل الطوائف (والقوميات) الأخرى.

 

لقد انتهى الأمر إلى تمكين واستمرار من جرى اختيارهم من عملاء النظام الإيراني واتباعه ليس فقط في ادارة الحكم سياسيا، وإلى تأسيس جهاز الدولة بكافة أنماطه الفكرية والمفاهيمية والإدارية على أساس سيطرة هؤلاء، وإن جرى الابقاء على شخصيات من طوائف أخرى فى داخل هذا النظام، لمراحل مؤقتة، فقد بدأ يتلاشى وجودها يوما بعد يوم، لنصل إلى نفس نمط الحكم في ايران.

 

لقد تواصل الأمر منذ بداية تشكيل المجلس الانتقالي وعبر تشكيل نمط العملية السياسية ومن خلال عمليات دمج المجموعات والميلشيات الايرانية لتشكل هيكل وقوام جهاز الدولة العراقي - أو جرت عملية اعادة البناء لجهاز الدولة الجديد اعتمادا على تلك التكوينات - لنصل في النهاية إلى تشكيل الحشد الطائفي الذي هو إعلان باكتمال التماثل بين حالة الدولتين والنظامين السياسيين في إيران والعراق؛ إذ فكرة ودور الحرس الثوري الإيراني هو أصل وجوهر تشكيل النظام السياسي القائم على حكم طائفة أو سطوتها.

 

والحرس الثوري الإيراني هو قوة فوق جهاز الدولة القديم وهو قوة عنف يتلخص دورها – الداخلي - في استخدام القوة خارج اطار القوانين لتمكين حكم طائفة وقمع الطوائف الأخرى والحفاظ على بقاء هذا النمط من الحكم وتطويره باتجاه الخارج، إذ هو قوة عنفية جرى اعدادها لتقوم بدور السيطرة والاحتلال الاستعمار لأراضي وشعوب الدول الأخرى تحت عنوان نشر الثورة، أو بالدقة نشر حكم الطائفة في الدول الأخرى.

 

لقد كان تشكيل الحرس الثوري الإيراني أحد ملزوميات وضرورات بناء الدولة والنظام السياسي على أساس حكم الطائفة، إذ هو جهاز عنفي لمواجهة الطوائف (والقوميات) الأخرى، وكذلك الحشد الشعبي في العراق، الذي هو أحد دلالات وملزوميات التحول من الاطار، الإطار الشكلي التعددي إلى نظام حكم الطائفة دون مواربة، فضلا عن دخول الحالة الإيرانية في العراق درجة نقل تجربتها ونموذجها إلى دول أخرى.

 

وهذا هو جوهر أزمة العراق الراهن، وهي حالة ليست بعيدة عن جوهر أزمة سوريا حاليا ومستقبلا، وهذا ما يدعونا للتأكيد على ضرورة تواصل المقاومة العراقية مع نظيرتها في إيران.

 

المصدر/ الهيئة نت