إشكاليات في الأزمة السورية.. سقوط القانون وموت الأخلاق
2 ذو الحجه 1437
د. احمد محمود عجاج

كشف مؤخرًا تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة والمكلفة بمهمة التحقيق باستخدام السلاح الكيماوي في سوريا، عن أنه توجد أدلة كافية تؤكد استخدام النظام السوري لهذا السلاح الكيماوي ثلاث مرات على الأقل.

 

 

ومع أن التقرير أكد استخدام «داعش» هذا السلاح، إلا أن التركيز في هذا المقال سينصب على نظام لا تزال تعترف الأمم المتحدة بشرعيته، وبعض الدول الأخرى.

 

 

 

وقد علق سياسيون على التقرير، ومنهم على سبيل المثال الرئيس الفرنسي، الذي قال إنه سيبحث الموضوع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسيتقدم بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي لإدانة هذا العمل، واتخاذ العقوبات المناسبة. وبما أن صدور قرار من مجلس الأمن مستبعد؛ فإن ثمة حلولاً قانونية أخرى، ومنها التدخل الإنساني. لكن هذا التدخل يثير إشكاليات قانونية عدة، نعرضها ونفندها كالتالي:

 

 

 

أولاً: تصر الأمم المتحدة، ومعها بعض الدول، على الاعتراف بالنظام السوري، وتتعامل معه على هذا الأساس، مع أنها تُوصِّف ما يجري في سوريا بحرب أهلية. الحرب الأهلية، حسب القانون الدولي، تستدعي التفريق بين ثلاث مراحل: المتمردون، والثوار، والمحاربون؛ ففي مراحل التمرد تبقى شرعية الدولة قائمة، وفي مرحلة الثوار تتعامل الدول معهم بحكم الواقع؛ لأنهم يسيطرون على قطعة من الأرض، وينفذون عليها أحكامهم، وفي مرحلة المحاربة يمكن الاعتراف بهم بوصفهم ممثلين شرعيين للدولة؛ لأنهم أصبحوا منظمين ولهم جيش، وشرطة ومؤسسات. في سوريا، وعلى أقل الاحتمالات، فقدت الدولة السورية شرعيتها بعد فقدانها السيطرة على الأرض لصالح الثوار؛ وبما أن سوريا في المرحل الثانية من الحرب الأهلية؛ فإن الشرعية تصبح موزعة على الأطراف المتقاتلة، ويحق معها للدول التعامل مع كل منها حسب مصالحها. هذا التعامل يفرض على الأمم المتحدة أن تبقى حيادية، ولا تعطي الشرعية لطرف ضد آخر؛ في سوريا خالفت الأمم المتحدة هذا الوصف، ومنحت الشرعية للنظام السوري!

 

 

ثانيًا: استخدام السلاح الكيماوي جريمة حرب في القانون الدولي، ومحظور في الاتفاقيات الدولية، بدءًا من بروتوكول الغازات السامة في عام 1925، وإعلان لاهاي بخصوص الغاز القاتل، ومعاهدة الأسلحة الكيماوية، وكل الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان. هذه الاتفاقيات كلها تؤكد أن استخدام الكيماوي عمل محظور، ويرقى إلى جرائم الحرب. الغريب أن النظام السوري موقع على بعض هذه الاتفاقيات.

 

 

 

ثالثًا: القانون الجنائي الدولي يحظر استخدام هذا السلاح، وينص قانون المحكمة الجنائية الدولية على أن استخدامه في النزاع المسلح أو غير المسلح جريمة معاقب عليها.

 

 

 

رابعًا: استخدام السلاح الكيماوي بشكل مستمر، وواسع، ضد المدنيين يشكل نية جرمية جنائية تشير إلى رغبة الفاعل في تدمير مجموعات دينية أو إثنية أو قومية؛ هذا الاستخدام يجعل الفاعل مرتكبًا لما يسمى جريمة ضد الإنسانية؛ وارتكاب جريمة ضد الإنسانية يُفعِّل مبدأ Jus cogns الذي يفرض موجبًا قانونيًا على بقية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بالتحرك لوقف القتل ولو بالقوة، حتى وإنْ كان ذلك يشكل خرقًا لسيادة الدولة، أو انتهاكًا للحظر المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة.

 

 

 

 

ويعرف القانوني الشهير Oppenheim Jus cogns بأنه القتل الجماعي الذي يهز «الضمير الإنساني»؛ وبهذا يصبح متوجبًا على كل الدول الموقعة على ميثاق الأمم المتحدة التدخل لوقف القتل.

 

 

 

 

خامسًا: ثمة خلاف على شكل التدخل؛ يوجد إجماع على أن التدخل العسكري بناءً على قرار من مجلس الأمن الدولي (المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة) هو الأصح والأنسب؛ لكن بوجود حق النقض (Veto)، فإن مجلس الأمن سيفشل في أداء موجباته بسبب الفيتو الروسي.

 

 

 

لكن فشل مجلس الأمن الدولي يُشرِّعُ قانونيًا التدخل الإنساني، المنصوص عليه في القانون الدولي العرفي.

 

 

 

ويعارض قانونيون التدخل ويؤيده آخرون؛ المعارضون يقولون: إن حظر استخدام القوة مطلق بعد صدور ميثاق الأمم المتحدة، ما عدا ثلاث حالات: الدفاع عن النفس المادة (51) أو الدفاع الجماعي (52)، أو وفق المادة (39). يرى المعارضون أن المادة (51) تستدعي هجومًا مسلحًا على أراضي الدولة لكي تستخدم حق الدفاع، وهو ما لم يحدث في سوريا، وكذلك المادة (52)؛ لأن أيًا من الدول المجاورة لسوريا لم يعتد عليها، وبالتالي لا يمكن لأميركا أو غيرها استخدام القوة للدفاع عنها تحت مسمى الدفاع الجماعي، كما أن المادة (39) تحيل تحديد القضية إلى مجلس الأمن الدولي.

 

 

 

 

 

سادسًا: المؤيدون للتدخل يرون أن التدخل الإنساني قانوني بحكم العرف الدولي، واكتسب شرعية في السنوات الماضية تحت مبدأ واجب الحماية (Responsibility to Protect)؛ ويرى هؤلاء أن المادة (2) الفقرة (4) من الميثاق تحظر استخدام القوة بشكل مطلق ضد سيادة الدولة ووحدتها وبأي طريقة لا تنسجم مع أهداف الأمم المتحدة.

 

 

 

 

لكن المادة (1) من الميثاق تحدد الأهداف، ومنها: حماية حقوق الإنسان وحق تقرير المصير، وبالتالي فإن ما يحدث في سوريا هو انتهاك لحقوق الإنسان، ولحق تقرير السوريين مصيرهم، ويكون استخدام القوة غير متعارض مع المادة المذكورة. كما يرى المؤيدون أن القانون الدولي العرفي له قوة ملزمة، وبالتالي فإن التدخل الإنساني ملزم، ولا يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة.

 

 

 

 

 

يستنتج مما سبق أن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، وبتغطية روسية يعطي بقية الدول وبالتحديد القادرة منها حق استخدام القوة لمنع المجازر التي تجري في سوريا؛ فما حدث في الغوطة، وما بعدها، وما يجري من قصف للمدنيين، يصل إلى مرتبة Jus Cogns (هز الضمير الإنساني)، علاوة على أن التدخل لا يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة، وبالتحديد المادة 2 الفقرة (4).

 

 

 

 

كما أن المحكمة الجنائية الدولية لا يمكن الركون إليها؛ لأن سوريا غير موقعة على قانون روما الأساسي؛ مما يعني الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، وهو غير ممكن بسبب الفيتو الروسي. وحتى على فرض أن التدخل العسكري في سوريا غير قانوني، فإنه يتوجب التفريق بين ما هو غير قانوني وما هو شرعي؛ كمثال فإن القانون يحرم انتهاك حرمة البيت، لكن على فرض أن ثمة رجلاً داخل البيت يريد أن يذبح طفلاً، والناس تسمع صراخ الطفل، فهل نحترم القانون أم ننقذ حياة الطفل؟! لا شك أننا سننقذ الطفل؛ لأن إنقاذه أعلى (أخلاقيًا) من الالتزام الحرفي بالقانون.

 

 

 

 

ما تقوله الأمم المتحدة وتفعله، وكذلك روسيا، لا يحظى، كما بينا، بقوة قانونية ولا باجتهاد قانوني راسخ، وهما تستخدمان القانون (الزائف) ستارًا تغطي به الأمم المتحدة عجزها، وروسيا بشاعتها، والدول الديمقراطية جبنها؛ الاستمرار بذلك قتلٌ للقانون وسقوط للأخلاق.

 

 

 

 

المصدر/ الشرق الأوسط