اردوغان وسياسة التعاون مع روسيا: المنافع والمخاطر
12 ذو القعدة 1437
أحمد محمود عجاج

منح الانقلاب العسكري ضد إردوغان فرصة تاريخية للأخير لإعادة تشكيل الوضع الداخلي، ولإحداث تعديل مهم في مسار السياسة الخارجية. ما صدر حتى الآن يشير إلى أن إردوغان عازم على الخروج من التحالف مع الغرب، ما دام لم يستجب لمطالبه، والتوجه نحو روسيا، ما دامت تقبل بشراكة ندية، في كلا التوجهين ثمة إشكاليات، وأيضًا غياب واضح للعرب الذين على أرضهم يجري الصراع والتنافس.

 

 

 

 

يمكن تفهم انتقادات إردوغان للغرب اللاذعة على أنها ضرورية لحشد التأييد الداخلي، لمعرفتنا أن إردوغان يدرك أنه ليس من السهل الفكاك من الغرب، لأن العقود الماضية الطويلة كرست علاقة بنيوية في مجال الاقتصاد، والجيش، والثقافة، والسياسة الخارجية.
وبفضل تلك العلاقة ضعفت مؤسسة الجيش، وتمكنت السلطة السياسية لأول مرة في تاريخ تركيا الحديث من أن تسيطر على المؤسسة العسكرية. لكن الانقلاب الفاشل، وفشل الغرب في إدانته، والوقوف مع الديمقراطية، أدخل فيروس الشك في العلاقة بين الحليفين. ولكي نكون واقعيين فإن حالة الشك مصدرها ليس فقط الانقلاب، بل تجاهل الغرب لمصالح تركيا الحيوية في المنطقة، ودورها الإقليمي، وإصرار الغرب على اعتماد سياسة تضر بها، وبالتحديد في الأزمة السورية التي أصبحت هاجسًا أمنيًا واستراتيجيًا للقيادة التركية.

 

 

 

اتهامات إردوغان الغرب بأنه يأوي غولن المتآمر على الديمقراطية، وأن الغرب لم يسارع لتأييده، بل ينتقده بحجة حقوق الإنسان، ليست كلها حقائق، بل فيها تجاوز لما يسمى الشروط الموضوعية. فإردوغان يعرف أن الغرب هو كتلة متراصة من قيم مشتركة، وتجمع اقتصادي هائل، وحلف عسكري متطور، وبالتالي فإن فرض شروط عليه، وبالطريقة التي ينتهجها إردوغان، فيه شيء من المجازفة التي قد تحمل أضرارًا كبيرة. كذلك انحيازه لروسيا، ومهاجمته للغرب على أنه لا يقبل تركيا المسلمة، قد يدفع تركيا بحكم قانون الفعل وردة الفعل إلى واقع جديد قد لا يكون في صالحها. فقرار بوتين إعادة العلاقات المتأزمة مع بوتين الذي وصفه إردوغان بالصديق ثلاث مرات، يطرح علامات استفهام أكثر من أجوبه، أليس بوتين يحمل آيديولوجية قومية أرثوذوكسية متعصبة؟ ويضرب المسلمين في سوريا؟

 

 

 

وما المشتركات الثقافية والدفاعية والاقتصادية التي ترجح التحالف الروسي على الغربي؟ إن روسيا تاريخيًا دائمًا كانت ضد تركيا، وعملت على تفتيتها، وكانت الحربة في خاصرتها، والدولة المستعمرة لبلدان إسلامية، وهي التي تتمدد في البحر الأسود، وترسل جنودًا إلى أرمينيا، وتناصر النظام السوري، وتقف ضد التحالف العربي في اليمن، وتغتال المعارضين، وتزج بالآلاف في السجون.

 

 

 

يعرف بوتين بالطبع أن إردوغان ليس ساذجًا، لكنه يرى في الانفتاح التركي عليه اختراقًا مفيدًا للمعسكر الغربي، وتغييرًا في الواقع الجيوسياسي، وقد يوفر الغطاء لبوتين للتراجع في سوريا، إذا ما تفاقمت الأمور، وما حدث في حلب مؤشر واضح. كذلك يدرك إردوغان هذه المعطيات، ويرى في الانفتاح زكزكة للغرب، وربحًا اقتصاديًا، وغطاء للتراجع عن سياسات كانت مكلفة لتركيا. فإذا ما كان الانفتاح التركي مجرد تكتيك للحصول على منافع استراتيجية من الغرب، وآنية من روسيا، فإنه سيكون لعبة محسوبة، لكنها ليست مأمونة العواقب ما لم يأخذ إردوغان كل الحيطة والحذر. وكما يظهر، فإن إردوغان رغم كل تصريحاته الانفلاشية لا يزال يحرص على العلاقة مع الغرب، ولا تزال الخطوط مفتوحة، والنقاش جاريًا، لكن الاستمرار بانتقاد الغرب، ورفع سقف المطالبات، دونما أخذ بمعطيات الساحة الداخلية للغرب، ولا بالمتغيرات في أوروبا أو أميركا، سيؤدي إلى تصعيد قد يصبح سياسيًا من الصعب التراجع عنه.

 

 

 

 

في ظل هذا الواقع يواجه إردوغان وبوتين مشكلة شائكة في سوريا: كلاهما ألزم بلده بمواقف متناقضة: بوتين يصر على شرعية الأسد، وإردوغان على إجرامه! وكلاهما عنيد، ويعتمدان أدلجة تجمع القومي مع الديني، ويريان في سياسات الغرب إضرارًا بمصالحهما. ويبدو أن إردوغان يحبذ في أقل الاحتمالات تفاهمًا مع روسيا على الاختلاف في سوريا حول الحل وشكل سوريا المقبل، وزيادة في التعاون في المجالات الأخرى، وقد يبدو هذا المنحى مفيدًا للطرفين، لكنه لن ينهي التأزم الذي سيتحول لعداوة في حال اختلال الميزان في سوريا لصالح أحدهما.

 

 

 

علاوة على ذلك توجد كثير من نقاط التماس بين تركيا وروسيا في مناطق أخرى من القوقاز والبلقان، وبالتالي فإن إردوغان سيضطر للتنازل في مكان ما مقابل الحصول على عوض في مكان آخر، ويبدو أن إغلاق مكتب الحزب الديمقراطي الكردي في موسكو بداية مشجعة لإردوغان، لكنها تبقى ناقصة لأن الخطر الكردي يتأتي من التعاون الأميركي وليس الروسي، فالأكراد وضعوا بيضهم في سلة أميركا وليس روسيا.

 

 

 

 

إن سياسة إردوغان تجاه الغرب، وتجاه روسيا، تنطوي على مخاطر، ولعل أكبرها هو احتمال خسارة حليف غربي، مقابل كسب حليف شرقي كان عبر التاريخ خصما، وله مصالح متضاربة مع تركيا في الجوار التركي القريب والبعيد. كما أن خطابات إردوغان المزدوجة بالقومية والإسلامية هي بذاتها متناقضة، فما هو مفيد قوميًا قد يكون ضارًا إسلاميًا، والعكس صحيح، ولهذا فإن المساومة بينهما أو عليهما ستحمل ضررًا لسمعته، ولن تحقق المبتغى. في ظل هذا الواقع الصعب، فإن إردوغان، إن صح التوقع، إما سيذهب بعيدًا في تحالفه مع روسيا، وهو احتمال ضعيف، وتتضرر بلاده على المستوى الاستراتيجي، أو سيبقي على تحالفه مع الغرب، ويفتح سبل التفاهم مع روسيا ليأمن أي ارتدادات سلبية من المعسكرين، وفي كلتا الحالتين ستبقى الأزمة السورية عقبة كأداء تحتاج ليس فقط لإرادة تركية - روسية، بل إرادة أميركية وعربية، وفوقها إرادة سورية ترفض أن تكون كعكة يتقاسمها الكبار.

 

 

المصدر/ الشرق الأوسط