هل لتوقيت دخول أمريكا على خط القتال في سرت مغزى؟
3 ذو القعدة 1437
السنوسي بسيكري

بدون مقدمات أو تفسير يقطع الشك باليقين أعلن السيد فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، أن المجلس طلب من الحكومة الأمريكية توجيه ضربات جوية ضد تنظيم الدولة في سرت.
 

 

 

 من الواضح أن هناك تنسيقا بين قيادة غرفة عمليات البيان المرصوص وبين المجلس الرئاسي بالخصوص، فقد دعمتها الغرفة، بل وأيدتها بعض المجموعات التي تشارك في معركة سرت وعلى خلاف مع المجلس الرئاسي أو تحتفظ عليه.
 

 

 

 استهلال مقالي بالقول إن القرار جاء دون مقدمات أو تفسير مقنع للجميع؛ جاء بسبب تقدم عملية البينان المرصوص ومن يساندها في القتال ومحاصرتهم المتبقين من مقاتلي تنظيم الدولة؛ في رقعة جغرافية محدودة جدا. وتؤكد تقارير الغرفة نفسها أنه تم شل التنظيم، بحيث أصبح غير قادر على شن هجومات مضادة، وأنه في حالة دفاعية.
 
 النقطة الوحيدة ذات المضمون، والتي جاءت من ضمن مبررات المجلس الرئاسي لدعوة واشنطن للمساهمة في القضاء على تنظيم الدولة، هي تقليل الخسائر في صفوف عملية البنيان المرصوص، حيث يتمترس مقاتلو التنظيم في أماكن عدة ويستخدمون القنص والتلغيم والعلميات الانتحارية التي تهدد حياة الكثير من المهاجمين.
 

 

 

 

 

 بالمقابل، فإن جميع الاستفهامات التوضيحية والاستنكارية لها ما يبررها، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تدخل على خط القتال في المراحل السابقة والتي وقعت فيها خسائر بشرية كبيرة نسبيا، ولم تقدم أي نوع من الدعم الوجستي.
 
 أيضا، فإن وضع القتال في صالح قوات البنيان المرصوص، وتقدمهم بطيء نسبيا، ولكنه مدروس ويحقق أهدافه بأقل الخسائر، كما أن كافة التقارير الراجعة تؤكد أن التنظيم في حالة اضطراب والمجموعات التي تقاوم إنما تتحرك بشكل مستقل عن أي عمليات عسكرية موجهة وقيادة موحدة.
 
 ونظرا للوضع العسكري الراهن للتنظيم، والذي يعكسه انتشار أفراده في المنطقة المحاصر فيها، واعتمادهم ليس على العمل الهجومي المباغت ضد قوات البينان المرصوص، والذي يتطلب تعبئة لمجموعات قتالية وتحرك بآليات متوسطة وثقيلة، بل على العمل الفردي عبر القناص أو التلغيم أو العمليات الانتحارية، كما سبقت الإشارة، الأمر الذي يقلل من أهمية سلاح الطيران، ويضعف من فاعليته ويحد من نتائجة الإيجابية.
 

 

 

 

 ما سبق ذكره يفسح المجال لتكهنات وتفسيرات تشكك في دوافع المشاركة الأمريكية في الحرب على التنظيم في سرت. والحقيقة أن التوقيت والظرف والنتائج على الأرض لم تسعف المراقب للاقتناع بأن طلب المجلس الرئاسي لتوجيه الطيران الأمريكي ضربات نوعية ضد التنظيم ضروري عسكريا.
 
 لهذا فإن أي تفسير سياسي وليس عسكريا له ما يؤيده، ويمكن تفهمه إذا استند إلى معطيات حقيقية أو اقترن بتفاعلات محلية وإقليمية ودولية.
 
 كنت قد أشرت في مقالي الذي تزامن مع إطلاق عملية البنيان المرصوص؛ إلى أن مساهمة المجلس الرئاسي محدودة، وأن العلمية تقوم بنسبة كبيرة جدا على جهود ذاتية لمدينة مصراتة وبعض من يساندها من ثوار المدن القريبة، وأن هذا الوضع يضعف المجلس الرئاسي. ولأن المجلس غير قادر على توفير الدعم اللوجستي الكامل للمعركة، فإنه ربما تصور أن مشاركة الولايات المتحدة بطلب منه قد تعالج هذا الاختلال وتحتفظ للمجلس بمكانة وأهمية في هزيمة تنظيم الدولة. من ناحية ثانية، فإن المجلس الذي يفتقر إلى دعم البرلمان ويجد صعوبة في احتواء الفريق خليفة حفتر؛ يريد أن يعزز من وزنه السياسي، بإقحام واشنطن في المعادلة لصالحه، خاصة بعد انحياز فرنسا للطرف الآخر عسكريا.
 
 أمريكيا، فإن التنظيم الدولة في سرت يمثل ثالث أهم معقل للتنظيم بعد العراق وسوريا، وبالتالي فإن هناك حاجة لأن لا تكون هزيمته بجهد محلي صرف، وتحتاج واشنطن، التي تقود تحالفا دوليا لدحر التنظيم، أن تكون حاضرة ولو في المرحلة الأخيرة، على أن تحقق الدعاية الإعلامية المقصود من المشاركة.
 
 أيضا ربما يكون لدخول الولايات المتحدة على خط القتال في ليبيا مع القوات المؤيدة للمجلس الرئاسي، أو المنسقة معه، مغزاه في تحديد بعض ملامح موقفها من العمليات العسكرية التي تجري في بنغازي، والدور الفرنسي في دعم القوات التابعة للبرلمان.
 
 وأخيرا، لا يمكن إهمال دواعي الحالة الانتخابية لمرشحي الرئاسة، والحاجة لإقناع الناخب بأن الحزب الديمقراطي يحقق نتائج ملموسة في مواجهة الإرهاب، خاصة وأن الحزب يعاني من تداعيات الهجوم على السفارة الأمريكية في بنغازي، وتواجه مرشحته للرئاسة انتقادات حادة تتعلق بإدارتها لأزمة السفارة، حيث يتهمها الخصوم بالإهمال الذي أفضى إلى مقتل السفير.

 

 

 

المصدر/ عربي 21