منذ سنوات طويلة ودول العالم العربي عامة، وفي مقدمتها دول الخليج، وفي القلب منها السعودية، ترسل وفوداً سنوية من طلابها في بعثات خارجية للدراسة في الكليات الغربية والأمريكية، باعتبارها كليات عالية المستوى في مستواها التعليمي والتقني.
ولا غبار على ذلك، إذا ما حافظ الطلاب على هويتهم الدينية وثقافتهم العربية، ولم يتلونوا بألوان الثقافة والحضارة الغربية، لا سيما في جانبها الأخلاقي الذي يلامس القاع، إسفافاً، وانحطاطاً، ورذيلة، فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها.
ولا شك لدينا أن الغرب ما كان ليروج لهذه الجامعات بصورة مجانية، أو رغبة في التبرع بالثقافة والمعرفة للعالم العربي والإسلامي، فهذه الجامعات ما هي إلا وسيلة من وسائل الغزو الحضاري والفكري، والتسويق للحضارة الغربية والرجل الأبيض؛ باعتبارهما نهاية التطور الإنساني المنشود!
ولست أتحدث هنا عن الغرب وحضارته وجامعاته العلمية، لكن أتحدث هنا عن نقطة جوهرية أخرى، ألا وهي القدرة على منافسة الغرب في هذا المضمار، قد يبدو الحديث صادماً للوهلة الأولى، فأنّى للجامعات العربية والسعودية أن تنافس نظيرتها الغربية؟!
إن الأمر ليس بالصعوبة التي تتبادر إلى الأذهان، فنحن لن ننافس الغرب في هذا المضمار العلمي والتقني، فهو جد متقدم في هذا المجال، ومنافسته لا تبدو يسيرة على الإطلاق، على الأقل في الوقت الراهن، ولكن يمكن منافسته وبقوة في مجال التسويق الحضاري.
فالغرب يسوق لمنتجاته الحضارية، ويستغل الجامعات في هذا الإطار أيما استغلال، فهو يجذب النخب العلمية من طلابنا ويغزوهم ويبهرهم بمنتجاته الثقافة والعلمية وتقدمه التقني؛ رغبة في استلابهم حضارياً.
ومن ثم؛ ترى بعضهم يعودون إلى بلادهم وهم مدمنون على الثقافة والفكر الغربي، ويصبحون سفراء لهذه الثقافة في بلادهم دون أن يحمل هو في ذلك أية أعباء، بل على العكس تماماً يجني مكاسب حضارية وثقافية صافية.
فلماذا لا تقوم الجامعات السعودية في تخصصاتها الشريعة بتقديم منح مجانية لطلاب الغرب لدراسة الشريعة، وتغزو السوق الغربي والأمريكي وتروج لنفسها في تلك الديار، كما تفعل هي في بلادنا؟!
لماذا لا يقام سوق ثقافي ترعاه سفاراتنا في الخارج، ويكون هناك مندوب أو أكثر من كل جامعة يقدم المنح للكفاءات الغربية لدراسة الشريعة الإسلامية من مصادرها الصافية، ومن مهد الرسالة الإسلامية؟!
إن هذه الخطوة تعد ملحة في إطار الصراع الحضاري الراهن، وهي من أهم أركان التسويق الحضاري لشريعتنا الإسلامية التي ظلمناها ظلماً بيناً حينما أغلقناها على أنفسنا، ولم نفتحها على الآخرين، لا سيما الغرب، وهو تقاعس لا يعفينا من المسؤولية الدنيوية والأخروية.
المصدر/ تواصل