تساؤلات مشروعة حول غرق جدة
7 صفر 1437
تقرير إخباري ـ محمد لافي

لعل من أهم ما يميز دين الله الإسلام هو شموله لأمور الدين والدنيا معا , واعتباره مراعاة مصالح الناس والحفاظ على أرواحهم وأموالهم ..... من الضروريات التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها ورعايتها , والتي تعبر عن جوهر الإسلام وحقيقته وتميزه .

 

 

ومن هنا فإنه من الخطأ الجسيم في فهم هذا الدين عدم اعتبار الاهتمام بمصالح الناس الدنيوية من الإسلام , وعدم الشعور بالمسؤولية أمام الله تعالى غدا يوم القيامة في حال التقصير أو الإهمال بمعاشهم وما يصلح حالهم ويرفع الأذى والضرر عنهم وعن أموالهم , مماثل لشعور المسلم بالذنب والمعصية حين يترك الصلاة أو الصيام أو الزكاة ....

 

 

ومن هذا المنطلق الصحيح في فهم الدين الحنيف جاءت ملاحظات كثير من المواطنين على حادث تكرار غرق جدة للمرة الثالثة , وذلك من خلال أكثر من ربع مليون تغريدة تحت عنوان #جدة_الآن , وجدة # تغرق .. وكثرت الأسئلة المشروعة حول أسباب تجدد الحادثة رغم الوعود السابقة من بعض المسؤولين المحليين بعدم تكرار ذلك .

 

 

وإذا كانت الأضرار المادية التي ألمت بكثير من المواطنين – ناهيك عن الأضرار العامة - يمكن أن تعوض أو تتدارك , فإن وفاة 12 شخصا على مدار اليومين الماضيين نصفهم من الأطفال خلال موجة العواصف الرعدية والسيول التي يشهدها ساحل البلاد على البحر الأحمر حسبما أعلن الدفاع المدني السعودي أمس الأربعاء عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" .... لا يمكن تداركه أو تعويضه , اللهم إلا إذا اتخذت التدابير الكفيلة بحماية أرواح الناس بشكل أفضل في المستقبل .

 

 

لم تكن المرة الأولى التي تغرق فيها جدة , بل هي المرة الثالثة حسبما يقول الواقع والتاريخ , وهنا تكمن المشكلة وتظهر علامات الاستفهام والتساؤلات الكثيرة المشروعة , والتي لا بد لها من إجابات واضحة وصريحة ومسؤولة من قبل المعنيين .

 

 

لقد توفي الأطفال الستة إما غرقا أو بسبب مياه السيول الجارفة في محافظات ينبع وحائل وعلى ضواحي مدينة جدة الساحلية , وهو ما يطرح سؤالا عن حالة الصرف الصحي في المدينة التي أنفقت الكثير من الأموال على صيانتها وإصلاحها وربما إنشائها منذ المرة الأولى التي غرقت فيها جدة حسب بعض المسؤولين.

 

 

لا شك أن هذه الأمطار الرعدية وموت هؤلاء الأطفال..... هو من قضاء الله وقدره , إلا أن الإيمان بالقضاء والقدر لا يعني ترك الأخذ بالأسباب والمسببات التي من شأنها أن تحمي المواطن من التغيرات المناخية وغيرها من الكوارث , خصوصا وأن هذه التغيرات المناخية متوقعة وقد أصابت أكثر من مدينة عربية وإسلامية , ولعل ما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نازلة "طاعون عمواس" تؤكد أهمية الأخذ بالأسباب لحماية أرواح المسلمين .

 

 

لقد كشفت حادثة غرق جدة أن حوالي 70 % من شبكة تصريف جدة معطلة , وهو ما يثير تساؤلا آخر هو : كيف تعطلت هذه الشبكة إن كانت قد تمت صيانتها وإصلاحها ؟ ولماذا لم تصمد أمام أول اختبار حقيقي لها ؟

 

 

وإذا كانت التقارير التي يرفعها المسؤولون بعد القيام بإنشاء أو صيانة أي مشروع تزعم دائما أنها إيجابية , فإن حقيقة ذلك من عدمه متوقف على اختبارها و اجتيازها ذلك الامتحان الحقيقي على أرض الواقع لا غير ....وقد أظهر امتحان الأمطار الرعدية التي هطلت على جدة وغيرها من المدن مدى السوء الذي ما تزال تعاني منه شبكة الصرف الصحي في المدينة .

 

 

ويبقى السؤال الأخير هو الأهم من بين الأسئلة المشروعة الكثيرة حول هذه الحادثة الأليمة : هل سيكون هذا الغرق هو الأخير ؟! أم إن المأساة ستكرر مع كل تغير مناخي مفاجئ في الأرض التي ستشهد الكثير من التغييرات المناخية بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض بفعل العبث البشري بغلاف الأرض الجوي وطبقة الأوزون ؟

 

 

لا ينبغي أن يمر حادث غرق مدينة جدة وغيرها من مدن المملكة مرور الكرام , وكأنه حادث عادي يتكرر كل عام , بل لا بد من تحديد المقصرين والمفسدين وكل من كان سببا في حدوث هذا الكم الكبير من الأضرار المادية في الممتلكات العامة والخاصة , ومحاسبتهم بكل حزم ومسؤولية .

 

 

في الوقت نفسه لا بد أن تؤخذ تساؤلات الناس المشروعة , وانتقاداتهم واقتراحاتهم بخصوص ما جرى بعين الاعتبار , إذا أردنا أن ننتقل بأوطاننا وبلادنا الإسلامية إلى المستوى المنشود .

 

 

وإذا كان دافع الدول المتقدمة في المحاسبة والمساءلة بعد كل حادثة مشابهة أو مماثلة ماديا دنيويا فحسب , فإن دافع الدول الإسلامية ديني ودنيوي بآن واحد .