26 صفر 1437

السؤال

أنا من الجزائر، عمري 15 سنة وأدرس بامتياز، ولكن لدي مشكلة أن كل من ينظر إلي أو يتحدث معي دون أن يراني يقع في حبي، فلا أعرف السبب إلا أنني أتمتع بجمال الوجه والشكل والقلب أيضا، فأنا مسلمة وطاهرة وأحب والدي كثيرا ولا أحب أن أخيب ظنهما في، وأحب أن أكسب رضاهما ورضا المولى عز وجل، ولكن أريد معرفة السبب ساعدوني أرجوكم.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ابنتي الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك، أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها في مسألة محورية وهي: أنك تعانين من شعور من ينظر إليك أو يتحدث معك فيقع في حبك، وأنت تجهلين أسباب ذلك، إلا أنك في الوقت نفسه تقدمين الأسباب وإن كنت تجهلين بأنَّها أصل الدَّاء، وهذا أمر طبيعي باعتبارك ما زلت فتاة في عمر الزهور، والزهور لا تدرك أن هناك حولها عيون ترقب جمالها وحسنها وبديع صنعها وخلقها، وأن القلوب تهفو إليها شغَفًا بها وقد تقْطِفها الأيدي قبل أن تنمو وتتفتَّح ويمتدَّ غصنها..
وهذه المشكلة تتعرض لها الفتيات والنساء عامة في واقع ومحيط يعجُّ بالاختلاط، وكما تلاحظين بنفسك فنظرات الإعجاب ممن حولك وتعلُّقهم العاطفي بك تظهر في حالة رؤيتك أو التحدث إليك، خاصة وأنَّك كما ذكرتِ في رسالتك تتمتعين بالحسن والجمال..
وما دمت عرفت أن السبب متعلِّق بالاختلاط وبما تتمتعين به من جمال يشدُّ الانتباه، وحتى في حالة عدم تحقُّق الرُّؤية فحديثك مع من هم من غير بناتِ جنسِك يدخل في باب الاختلاط ما دام له تأثيرٌ على القلوب وجاذبيَّة تتعلِّق بنبرة الصوت وطريقة التعبير وأسلوب الحوار وموضوعه..
ومن الإرشادات التي أقدمها لك - ابنتي الكريمة - ما يلي:
أولا: اعْلمي بأنَّكِ فتاةٌ جميلة كالزهرة المتفتِّحة في رياضِ الحياة، وعليك أن تحافظي على هذا الجمال الذي حباكِ الله به، وعلى هذه الزهرة النَّدِيَّة حتى لا تذبل قبل أوانِها وتسقط أوراقها ويذهب أريجها، وإذا كانت حكمة الله قد اقْتضَت وجود الزهور في الحقول والبساتين والطبيعة وجعلها ملكًا لكلِّ من يراها ليتمتَّع بمنظرها البديع وشذاها الطيب، إلا أن من حكمته أن جعل وجود الأنثى محاطًا بسياج العفَّة وحجابِ السُّتْرَة الذي يصون شرفَها وعرضها من سهام نظراتِ الطَّامعين، وجعل بينها وبين الذكر فوارق ثابتة مصداقا لقوله عز وجل: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾، وحدودًا فاصلة بينهما حمايةً لوجودهما من الوقوع فيما يؤثر على التزامهما بأداء الرسالة المنوطة بهما في الحياة، وحِفاظًا على استقامتهما على طريق الهداية وصَوْنا لعفَّتهما وطهارتهما، ولصلاحِ البيوت واستقرارها، وإذا كانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهنَّ خير نساء العالمين طهارةً، وعفَّةً، وصلاحًا، واستقامةً، وقد شملهُنَّ خطاب التحذير من الاختلاط، فقال عز من قائل: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾، فكيف هو الحال بمن دونهن من النساء فهنَّ أولى بهذا الخطاب سدًّا لذريعة الوقوع في الرذائل والمحرمات..
ثانيا: اجْتَهِدي ما استطعت على أن يكون حجابك ملتزِما بشروط الحجاب الشرعي السَّاتِر وغير الكاشِف لجمالك وحسنِك، وتجنَّبي مظاهر الزِّينة والتبرُّج خارج البيت أو الظُّهور أمام الرجال الأجانب بمظهرٍ يشُدُّ انتباههم ويجْذبهم إليك، مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾..
وصوني نفسك ومن حولك من الرجال من الوقوع في الفتنة والتعرُّض لسهام الشيطان، فالنظرة تلو النظرة هي سهمٌ مسموم من سهامه يصيبُ بها القلوب الضعيفة حتى يوقِعها في شَركِ الغِواية، ويُسْقِطَها في مراتِع الفساد وانْحلال الأخلاق، وانْظُري إلى الأمر الإلهي الموجَّه إلى المؤمنين والمؤمنات على السواء: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾..
ثالثا: تجَنَّبي الخلوة أو الاختلاط بالرجال إلا لقضاء حاجة أو ضرورة ملزِمَة، ولْيَكُن حديثك معهم في أضيق الحدود، مُنْضَبِطًا بشروط وقيود الالتزام الذي يفرض عليهم احترامك، ولا يُفْضِي إلى الخضوع في القول وإثارة الشهوات، مصداقا لقوله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.
رابعا: لا توجِّهي تركيزك بالكامل إلى معرفة أسباب انجِذاب الآخرين إليك، ولا تعطي لهذا الموضوع مساحةً أكبر من التفكير والتساؤل حول من يتأثر بك أو يرتبط بك عاطفيا، حتى لا يستهلك طاقتك الذهنية والنفسية، بل خصِّصي اهتمامك لتحصين نفسك وحمايتها من خلال التزامِك بحياض الدِّين وتطبيقِك لأحكام الشريعة، واتِّباعِك للمنهج المستقيم، والظهور بمظهر الاحْتِشام والعِفَّة..
خامسا: تذكَّري أنك في مرحلة البناء والتأسيس وهي من أهم مراحل حياتك، التي ستفتح أمامك آفاق المستقبل الزاهر وستشُقُّ طريقك نحو التقدم والريادة، فركِّزي اهتمامك على اغْتنام أنفسِ أوقاتك في الاجتهاد والمثابرة في دراستك إن كنت ما زلت تدرسين، ووظِّفي طاقتك نحو اختيار ما يعود عليك بالنفع وتحصيل الفائدة، ووجِّهي أفكارك ومشاعرك في الاتجاه الصحيح، واشْحَذي همَّتك لطلب العلم النافع، والنُّهوضِ بأعمال الخير وحَلِّ مشاكل من هم في سنِّك وبحاجة إلى دعمك ومساندتك، وتعاوني مع فتيات تتوسَّمين فيهن الخير والصَّلاح والسَّمت الحسن للقيام بأنشطة اجتماعية وثقافية، وشاركي في المحاضرات والدروس الدينية والعلمية، فهذا من شأنه أن يقوِّي مهاراتك في التفكير والفهم، والتحليل والاستنتاج، ويساهم في إِثْراء عقلِك بالأفكار والمعارف الجديدة، ويوسِّع أفُق تجاربك ويصقل شخصيتك، ويؤهِّلك لحياة فُضْلى يكون لك فيها رسالة نبيلة وهدف أسمى يجعلك تساهمين في النهوض بمجتمعك على قدر ما يتوفَّر لك من الأسباب والمؤهِّلات..
سادسا: لقد أنعم الله عليك بطاعة والديك ورضاهم وهذا من رضا الله تعالى، فاجعلي إلى جانب هذه الغاية غايات أعظم وأكبر توصِلك إلى الارتقاء بثقافتك ومعارفك، وأخلاقك وفضائلك، والتزامك وتديُّنك، وما من شأنه ان يوثِّق علاقتك بخالقك، ويقوي فيك إرادة المُضِي في طريق السَّعي والعمل والإنتاج الجيِّد والعطاء المُثمِر..
وفي الختام: اغتنمي ـ ابنتي الكريمة ـ هذه المرحلة فهي من أجمل مراحل عمرك للتزوُّد بالعلم النافع، والتقرب من الله تعالى بالطاعات، وكوني الفتاة المؤمنة الصالحة التي تراقب أقوالها وأفعالها في السر والعلن، وتحرص على أن تنال رضا ربها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا..
وأسأل الله العلي القدير أن ييسر لك سبل الهداية والاستقامة، وان يعفَّ نفسك ويحصنك ويصونك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يكتب لك ما فيه الخير والنفع لدينك ونفسك وعاقبة أمرك..