محاكم الإرهاب....وسيلة لقمع أهل السنة
25 رجب 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

لم يكن ما كشفه تقرير صادر عن مركز توثيق الانتهاكات في سورية تحت عنوان "محكمة الإرهاب في سورية أداة لتنفيذ جرائم حرب" منذ أيام أمرا جديدا أو خبرا يحمل معلومة إضافية للسوريين أو غيرهم , فالجميع بات يوقن أن من كان يحكم سورية على مدى أربعة عقود خلت لم تكن سوى عصابة طائفية لا تمت بصلة إلى حقيقة الحكومات الديمقراطية أو حتى غير الديمقراطية التي تعمل على الأقل لصالح بلدها وشعبها .

إن قصة محاكم الإرهاب في سورية لا تختلف كثيرا عن قصص المحاكم التي تنشئ في العالم خصيصا للنيل من التيار السياسي الإسلامي بالدرجة الأولى على ما يبدو , وخصوصا بعد اكتساحه الكثير من الانتخابات البرلمانية والرئاسية في كثير من بلدان "الربيع العربي" , ناهيك عن النيل من كل من ينتمي إلى أهل السنة في كثير من الأحيان , وخصوصا في بلاد الشام عموما .

لقد تأسست محكمة الإرهاب بمرسوم من طاغية الشام عام 2012 لتحل محل محكمة أمن الدولة سيئة السمعة والصيت على مدى عملها في سورية لعقود ، والتي لم تكن بحاجة لإدانة من منظمة دولية مثل "هيومان رايتس ووتش" عام 2009 , لإثبات ما ترتكبه من فظائع بحق الشعب السوري , فكلمة "أمن الدولة" في الدول الاستبدادية تكفي للدلالة على مضمونها الخبيث .

والحقيقة أن إنشاء هذه المحكمة كان وسيلة لقمع أكبر عدد من السوريين بعد اندلاع الثورة المباركة في أرض الشام , وذريعة لممارسة الإرهاب الحقيقي ضد كل من لا يداهن ويمالئ النظام السوري كما هي العادة طوال فترة حكمه , على الرغم مما يرتكبه من فظائع بحق المطالبين بالحرية والكرامة .

ولعل من أوضح الأدلة على هدف إنشاء هذه المحكمة هو عدد المواطنين السوريين المحالين عليها خلال أقل من ثلاث سنوات , فالأرقام تشير إلى أن أكثر من ثمانين ألف مواطن سوري تم تحويلهم إلى هذه المحكمة منذ إنشائها عام 2012 , هذا بغض النظر عن الذين تتم تصفيتهم في سجون وزنازين فروع الأمن المنتشرة في طول البلاد وعرضها دون أي محاكمة تذكر , وما الصور الفظيعة التي بثتها ونقلتها وسائل الإعلام عن مئات المعتقلين السوريين في تلك الزنازين قبل فترة , والذين قضوا تحت عشرات ألوان التعذيب ...إلا غيض من فيض إجرام هذه العصابة .

وإذا نظرنا إلى تفاصيل كيفية عمل هذه المحكمة والصلاحيات الواسعة المنوطة بها , لا يبقى أدنى شك أنها لا تمت إلى مسمى المحكمة بصلة , فتحويل المواطنين السوريين إليها لا يخضع لمعايير واضحة ، فمجرد ضبط مواطن سوري وبحوزته شعارات تتعلق بالثورة ، أو حتى احتواء هاتفه المحمول على أنشودة أو أغنية تناهض النظام ، كفيلة بأن تدمغه بتهمة الإرهاب دون أي إجراءات قانونية .

وإذا أضفنا إلى ما سبق اعتماد قضاة محكمة الإرهاب في إصدارهم الأحكام على التهم الأمنية الواردة في ملف المعتقل عقب تحويله من أحد أفرع أجهزة المخابرات السورية , وعدم الاكتراث بتأكيد المتهم أمام القاضي بأنه تعرض للتعذيب الشديد لانتزاع اعترافات غير صحيحة في الأفرع الأمنية الأسدية .....فإن هدف هذه المحاكم في قمع المعارضين يبدو واضحا لا يحتاج إلى مزيد من التقارير والأدلة .

إن أمثال هذه المحاكم هي في الحقيقة لافتة وغطاء شكلي للنيل من كل من يناصر الثورة السورية , فالممارسات المتبعة فيها تلغي دور القانون والأدلة والمحامي ، حيث لا إجراءات للمحكمة سوى إعطاء غطاء قانوني لأحكام صادرة مسبقا على جميع المتهمين بالإدانة , ومن ثم بالإعدام والتصفية غالبا .

وعلى الرغم من عدم حاجة طاغية الشام لأمثال هذه المحاكم لتمرير جرائمه بحق الإنسانية التي فاحت رائحة عفنها حتى زكمت أنوف العالم أجمع , نظرا لكونه يمتلك الضوء الأخضر من سادته باستخدام كافة الأسلحة لإخماد الأصوات المعارضة لنظامه النصيري المقبول صهيونيا وغربيا علنا ودون أي مساحيق تجميل , إلا أن وجود هذه المحكمة تبقى ضمانة لاستمراره في القمع باسم " مكافحة الإرهاب" , نظرا لكون هذا الشعار مقبول دوليا للتغطية على ممارسات الأنظمة الاستبدادية .

لم يكن النظام النصيري في سورية الوحيد الذي يستخدم غطاء "محكمة الإرهاب" للنيل من معارضيه عموما ومن أهل السنة على وجه الخصوص , فغالب محاكم "الإرهاب" في العالم تهدف لنفس الغاية على ما يبدو , ففي العراق - مثلا – استخدم أزلام طهران – المالكي والعبادي من بعده – محكمة الإرهاب لتصفية أهل السنة هناك , كما أن محكمة ما يسمى "جرائم الحرب" في بنغلادش تسير على نفس النهج فيما يبدو , فقد أنشأتها الحكومة العلمانية هناك عام 2010 لقمع معارضيها عموما والتيار الإسلامي على وجه الخصوص , ولعل أحكام الإعدام التي طالت حتى الآن الكثير من رموز الجماعة الإسلامية المعارضة للحكومة هناك خير دليل على ذلك .

والحقيقة أن كل من يشكك في كون هذه المحاكم قد أنشأت خصيصا لقمع أهل السنة والمعارضين للاستبداد , لا بد أن يجيب عن كثير من الأسئلة التي تحوم حول هذه المحاكم وأهمها :
لماذا لا يُحاكم في أمثال هذه المحاكم من يرتكبون الإرهاب الحقيقي ليل نهار كالنصيرية في سورية والرافضة في العراق وغيرها والتنظيمات المسيحية المسلحة "كأنتي بالاكا" في إفريقيا الوسطى وغيرها كثير ؟؟
ولماذا لا نكاد نرى خلف قضبان هذه المحاكم غير المسلمين من أهل السنة ؟!