مدير المركز النيجيري للبحوث العربية: نتفاءل بفوز بخاري.. ليست ديانة الرئيس وحدها هي ما جعلت المسلمين يختارونه (1 من 2)
9 رجب 1436
موقع المسلم

في حديث مستفيض مع الأكاديمي النيجيري البارز الدكتور خضر عبدالباقي محمد (*)، كشف عن ملابسات كثيرة صاحبت الانتخابات الرئاسية النيجيرية أدت إلى فوز الرئيس محمد بخاري بنسبة عالية من الأصوات على أقرب منافسيه، مقدماً قراءة دقيقة للمزاج الشعبي الذي أفضى إلى هذه النتيجة.

 

 

د.خضر عبدالباقي، الذي يشغل منصب مدير المركز النيجيري للبحوث العربية، حرص على أن يؤكد على أجواء التفاؤل الكبيرة التي سادت في نيجيريا في أعقاب فوز بخاري باعتباره سيحقق كثيراً مما يطمح إليه النيجيريون، لكنه نبه في الوقت نفسه إلى أن هذا التفاؤل لا ينبغي أن يكون "رومانسيا" على حد تعبيره؛ فالتحديات التي تواجه الحزب الجديد الحاكم، والتحالفات التي ارتبط بها، ووجود مراكز قوى من الدولة القديمة، قد تكبل بعضاً من طموحات الإدارة الجديدة.

 

(في الجزء الثاني من الحوار، سيتحدث د.خضر عبدالباقي عن احتمال التدخل العسكري الدولي في نيجيريا.. وعن استراتيجية بوكو حرام.. ومستقبلها المتوقع في ظل الإدارة الجديدة)

 

 

نص الحوار: 
بداية كيف تقرؤون نتائج الانتخابات النيجيرية؟
بسم الله والحمد لله، بالنسبة للانتخابات النيجيرية الأخيرة خاصة الانتخابات الرئاسية؛ فالمؤشرات التي سبقت أيام الانتخابات أكدت أن هناك نيةً للتغيير في الساحة السياسية النيجيرية، خاصة لدى الأطراف السياسية المعنية بالعملية السياسية في نيجيريا. وهذا التوجه يسيطر حتى داخل الحزب الحاكم، لذا فنحن نرى أن الفاعلين الحقيقيين في إصدار القرار السياسي في نيجيريا خاصة داخل الحزب الحاكم متخوفون من هذا التوجّه الذي يمكن يمثل توجهاً عاماً.

 

 

وهذا التخوف مبعثه أن هناك سلطة حاكمة لا زالت متشبثة بالحكم وبيدها الجيش والأمن والشرطة، برغم التطلع والرأي العام السائد والذي انعكس في المؤيد لتغيير النظام، وأن يُفقد الحزب الحاكم في نيجيريا هذه الميزة وهذه السيطرة التي استمرت لقرابة خمسة عشر سنة للحكم. وبالتالي كانت الأطراف المختلفة داخل الدولة تدعو إلى التزام ضبط النفس والهدوء.

 

 

نفهم من ذلك أن التغيير إنما هو في شكل الحكم وليس في جوهره؟
أعتقد أن التغيير في شكل الحكم المعني به هو جوهر الحكم لأن الأطراف السياسية في نيجيريا أو النيجيريين بشكل عام يأملون في أن يكون هناك تغيير جذري في جوهر الحكم؛ فالزخم الشعبي والآمال الكبيرة المعقودة على الرئيس القادم الذي فاز وهو الرئيس محمد بخاري وحالة الاستبشار بقدومه، وبأنه هو الذي سيكون بمثابة المخلِّص لنيجيريا من الفساد وسلسلة أعمال العنف والتوترات والاحتقان وغير ذلك من المشاكل التي تعاني منها البلاد، تمثل مؤشرات على أن التغيير ليس في شكل الحكم فقط، وإنما المضمون أيضاً للسياسة النيجيرية بشكل عام أو لصنع القرار أو مؤسسات صنع القرار السياسي في نيجيريا.

 

 

مبعث هذا التفاؤل في مسألة التغيير ألا يصادمها من جانب آخر حقيقة أن هذا الرئيس المنتخب قادم من مؤسسة عسكرية معروفة بأنها قامت بانقلابات متعددة وأن هذا الرئيس نفسه قد قام بانقلاب سابق أم أن الظرف قد تغير؟
هذه من المفارقات العجيبة في السياسة النيجيرية، أو قد تكون هي أيضاً التي أنت أسميتها بالمخاوف هي الميزة التي تفوق بها محمد بخاري على غيره؛ فرغم أن العالم يعرف أن العسكرية والانقلاب والحكم العسكري ضد الديمقراطية، ورغم أن ملف الرئيس محمد بخاري السياسي، واسمه مقرون بمسألة الانقلاب على الرئيس الشرعي في تلك الفترة؛ فإنه مع ذلك هذا هو الذي اعتبره النيجيريون ميزة لهذا الرجل جعلته يتفوق على منافسه الرئيس السابق لنيجيريا، ليس أنه جاء من خلفية عسكرية بالتحديد وإنما بقدر ما استطاع أن ينجزه خلال فترة إدارته السابقة للبلاد.. فمع أن إدارته في تلك الفترة كانت عسكرية إلا أنه استطاع أن ينجز بعض الأمور التي اعتبرها النيجيريون إنجازات تاريخية.

 

 

وعليه، فقد علقت تلك الإنجازات في أذهان النيجيريين، وتطلعوا إلى عودة هذه الرجل بتلك الكيفية في تحقيق الإنجازات، أو بالتعبير العامي العربي نقول أن يعود الزمن الجميل، وهو تمكنه حينها من فرض ما يمكن أن نسميه الانضباط على الشارع النيجيري، من دون استثناء، بما يسمونه بـ"السياسة العادلة"، من زاوية الانضباط أو الضبط والربط، وتجنب المحاباة والمجاملة.. إلخ، وهو ما ساد البلد خلال تلك الفترة، وهذا الذي شعر النيجيريون بأنهم بحاجة إلى مثله الآن، مقارنة بما كانوا يشعرون به قبل الانتخابات الأخيرة؛ فهم جرّبوا كل الذين هم قبل هذا الرجل محمد بخاري وغيره، فما كانت لهم تلك الإنجازات، وما كانت سجلاتهم ناصعة.

 

 

لكن هل نعتبر أن مرور هذه العقود الثلاثة على الانقلاب الذي قام به محمد بخاري قد أثرت، حيث إن المناخ قد تغيّر والطريقة التي جاء بها إلى الحكم الآن طريقة ربما نراها ديمقراطية إلى حد بعيد عن سابقاتها، إن كنتم تتفقون مع هذا؟
بالتأكيد، فالطريقة الأخيرة طريقة ديمقراطية لا شك في ذلك، ولا غبار عليها، ولا أحد يشكك في ذلك.

 

 

نعم، هل تتوقعون إذ ذلك المناخ سيمنح النيجيريين فسحة أكبر في الحرية السياسية والاجتماعية بعد الانتخابات؟
طبعاً هذا في قراءتي التي هي ليست قراءة سوداوية، ولا قراءة متحفظة، ولكن مع هذا فالآمال الكبيرة، والتعاطي الرومنسي - إن صح التعبير - لدى كثير من قطاعات الشعب النيجيري، والذي يجعلهم يعيشون عالما رومنسيا، ظانين أن هذا الرجل يستطيع أن يحقق إنجازات كبيرة، ليست حقيقية، ولا نريد أن نستغرق في الأحلام والطموحات الكبيرة لأن الظروف تغيرت. وحتى ما أعددناه إنجازات لهذا الرجل في تلك الفترة هناك متغيرات كثيرة الآن  تحول دون تكراره، وبعض الأمور التي قد لا يستطيع هذا الرجل أن يقوم بها الآن نظراً لتغير الظروف والأحوال والوضع في البلد.

 

 

 وأيضاً الرجل في تلك الفترة كان رجلاً عسكرياً ليس له ارتباطات حزبية وسياسية وتحالفات تقيد حركته؛ فقد جاء من خلفية عسكرية ولا يحكمه إلا رؤية الإدارة العسكرية ورؤية مجموعة الضباط الذين قاموا بالانقلاب على النظام في تلك الفترة وإلخ. أما الآن فقد تغيرت الظروف؛ فقد وصل إلى الحكم بعد سلسلة من الاندماجات والتحالفات و"التربيطات" مع جهات جهوية ومحلية وكبار الرأسماليين الكبار في الدولة، من الساسة، ومن القادة، ومن الأمراء التقليديين؛ فكل هذه الأمور متغيرات جديدة أخشى أن تكون هذه المتغيرات عامل إعاقة له، والتي جعلتني أقول: إن الزمن تغير كثيراً عما كان يحلم به النيجيريون، أو يعيشه النيجيريون في زمن ماض، فربط سجل هذا الرجل بما كان حققه وبما كان أنجزه في فترة إدارته الأولى للبلد في الثمانينات واليوم ونحن في عام 2015 ليس دقيقاً؛ فالرجل فاز برئاسة نيجيريا على خلفية عمليات سياسية وتحالفات وتعهدات كثيرة، لذا فالواجب ألا نستغرق كثيراً في هذه الآمال الكبيرة، والطموحات، والأحلام الوردية الرومنسية التي غلب عليها خطاب الكثير من النيجيريين الذين اعتراهم قدر كبير من التفاؤل الزائد عن اللزوم.

 

 

هل كيف يمكن للمسلمين أن يستثمروا هذه الحالة الجديدة؟ وهل هناك شعور بالتفاؤل بين المسلمين خصوصاً لاحتمال تحسن أحوالهم في نيجيريا بعد هذه النتيجة؟
أعتقد أنه إن شاء الله ستشهد الفترة القادمة بالنسبة للنيجيريين عامة والمسلمين خاصة تحسنا نسبياً، وإن كان هذا ليس بالضرورة عائد إلى أن الرئيس مسلم، فكون الرئيس مسلماً أو غير مسلم قد لا يكون مؤثرا بدرجة كبيرة في نيجيريا، وليس عاملا حاسما قويا لوضعية المسلمين؛ نظراً لأن الرئيس له صلاحيته محددة ومعروفة، وهناك مؤسسات وثمة موازين قوى في الدولة؛ فديانة الرئيس ليست بالقوة الكبيرة التي تؤثر، ومن يربط بين هذا وذاك أختلف معه في هذه القراءة، إذ هي ليست قراءة كاملة للوضع النيجيري.
صحيح أننا نحب أن يكون الرئيس مسلماً لكن عندنا القانون يسود وهو الذي يتحكم في معظم الأحوال، فما يسمح به القانون سواء أكان الرئيس مسلما أو مسيحيا هو ما يمضي؛ فلا يستطيع رئيس حتى لو كان مسيحياً أن يمنع حقوق المسلمين المتاحة عنهم، لكن هناك هامش من الصلاحيات يتمتع به الرئيس يمكننا أن نتكلم داخل إطاره فقط. وأنا لا أقلل من هذا العامل لكن أريد أن يوضع في حجمه الحقيقي، لكي تكون القراءة صحيحة، حيث التأثير الكبير لديانة الرئيس لا تنطبق تماماً على الحالة النيجيرية.

 

 

ربما المقصود ليس ديانة الرئيس بالذات، وإنما في دلالة هذه الانتخابات التي وصفت بأنها الأكثر نزاهة، ولم يعتريها ما شاب سابقاتها من بعض التزوير والتجاوزات والانتهاكات، بما أهلها لأن تصبح أول اختبار يُعتبر دقيقا للديمقراطية في نيجيريا، فهذه المرة عُدَّ اختيار بخاري ربما تعبيراً عن حجم المسلمين الحقيقي في نيجيريا، فهل هذا يعطي زخماً للمسلمين بغض النظر عن كونه يتمتع بصلاحيات أم لا؟
والله حتى مسألة التصويت في الانتخابات، فالمسلمون وغيرهم صوتوا لبخاري. صحيح أن أوساط المسلمين في نيجيريا قد استبشروا بقدوم بخاري، وهناك حملات قوية قامت بها جهات إسلامية محلية نيجيرية واتحادات الطلبة وغير ذلك من الجمعيات الوطنية التي لها مرجعية إسلامية، لدعم بخاري. لا شك في ذلك ولكن ليس هذا هو العامل الأوحد في فوز الرئيس محمد بخاري؛ فهناك مجموعة عوامل كثيرة حكمت التصويت؛ فثمة ارتباط من حيث أن معظم من صوتوا له مسلمون، لكن في الجملة، فالذين صوتوا له مسلمون وغير مسلمين، حتى الذين هم في المناطق الجنوبية التي يتوزع سكانها بين الإسلام والمسيحية صوّتوا له، وأغلبية من المثقفين من جنوب البلاد الذين ليست لهم علاقة بالإسلام من قريب أومن بعيد صوّتوا للرئيس بخاري لعاملٍ آخر ليس للعامل الديني؛ فبالتالي - كما سبق أن قلت - فهم يرون في هذا الرجل أنه بمثابة المخلّص لنيجيريا من المشاكل والكوارث السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية التي تعيشها نيجيريا.

 

 

لعلكم تقصدون أنه ربما هناك البطالة المتفشية بين النيجيريين، والعجز الأمني تجاه بوكو حرام أو غير ذلك، ما دعا إلى التصويت لبخاري باعتباره أكثر حزماً أو أكثر قدرة على النهوض الاقتصادي
كل هذه هي الاعتبارات التي يجب أن نذكرها عندما نتكلم لماذا المؤهلات التي جعلت هذا الشخص أو هذا المرشح يفوز على المعسكر الآخر، اعتبارات أمنية، واعتبارات اقتصادية، واعتبارات محلية، واعتبارات توازن القوى، واعتبارات عسكرية أيضاً.. هناك عوامل كثيرة بالإضافة إلى أنه معتدل والناس يثقون فيه أكثر من غيره.

 

لكن أليس من ضمن هذه الأسباب أن هناك خللاً قد حدث في الاتفاق الضمني أو في مسألة تداول الرئاسة ما بين مسلم ومسيحي؟
كلامك صحيح من الأسباب أيضاً، ولذلك ليس هذا هو السبب الوحيد؛ ولذلك قلت لا نستطيع أن نقضي بعامل واحد أنه هو العامل الحاسم في فوزه، فمن ضمن مجموعة العوامل التي جعلت الغالبية تختاره، من أجل مسألة بوكو حرام لأنهم يعتبرون هذا الرجل، وقد تعهد بمكافحة بوكو حرام، أنه سيفي بهذا، وتكون مكافحته حقيقية، وليست صورية وانتهازية لمصالح التحالفات، فثمة من صوّتوا له على أساس مسألة محاربة الفساد في البلد، وآخرون صوّتوا له لأنه جاء من خلفية عسكرية لأن الإدارة العسكرية لنيجيريا البعض يرى أنها الأكثر مناسبة في إدارة مثل هذه الدولة التي فيها خلافات كثيرة، عوامل مختلفة تجعل كل فريق ممن صوتوا له مبرره ومنطلقه.

 

 

بالعودة إلى موضوع التفاؤل والفرح بين المسلمين، هل تتفقون مع القول بأن المرحلة القادمة ربما تشهد نوعاً من الانفتاح في مجال المجتمع الأهلي وفي مجال الديمقراطيات وفي الممارسة السياسية وفي بعض الحريات الاجتماعية والدينية وما إلى ذلك فهل هذا صحيح؟
هل معنى ذلك أنه فيما سبق أنه لم يكن حريات دينية وأنه لم يكن جمعيات وطنية الأهلية والمجتمع المدني؟ لا، كانت تعمل، لكن في عهد الرئيس السابق المنتهية ولايته كانت الإشكالية الأساسية في إدارته هي مسألة الفساد ومسألة الانغماس فيه، فلقد شهدت نيجيريا ما يمكن أن يطلق عليه تقنين أو شرعنة الفساد؛ فهذا الذي امتعض منه النيجيريون بشكل كبير، وأيضاً مسألة تقنين الفوضى السياسية في البلد، أو شرعنة الفوضى السياسية في البلاد.

 

 

 كلها من الأمور التي امتعض منها النيجيريون وأصبحت من الأوراق التي حرقت البطاقة لدى الرئيس المنتهية ولايته؛ فهو لم يستطع أن ينجز لا في الملف الأمني ولا في الملف الاقتصادي ولا ملف استقرار البلد ولا في ملف العلاقات مع الدول ولا في ملفات المصالحة الوطنية، كلها ملفات شهدت توتراً كبيراً في فترته، فبالتالي سواء المسيحيون وسواء المسلمون.. سواء الذين يعيشون في شمال البلاد أو في جنوب البلاد أو في شرق البلاد كلهم هناك قواسم مشتركة بين النيجيريين فيما يتعلق بالاقتصاد فيما يتعلق بالأمن فيما يتعلق بالشعور بعدم الرضا بالوضع العام للبلد في ظل إدارة الرئيس المنتهية ولايته.

 

 

 كل هذه الأمور كانت في صالح الرئيس بخاري في أن يفوز على منافسه ولكن التضييق الموجود حقيقة، أو هامش الحرية التي يمكن أن تكون في المجال السياسي إلى حد ما، وليس في المجال الديني، لنكن صرحاء ونكن منصفين في ذلك، لم يكن هناك تضييق لدرجة أنه يمكننا أن نقول بأن هناك تضييق على المسلمين في فترته بشكل علني أو بشكل فيه نوع من التبجح أو بشكل سافر.. لا، لأنني سبق أن قلت أن التضييق في مثل هذه الأمور ما يستطيعه الرئيس بحكم قانون البلد؛ فصلاحيته لا تجعله يستطيع أن يتعدى أموراً رئيسة إلا في أمور بسيطة ومحددة وهي التي يمكن أن يمررها بحكم الهامش الذي يتمتع به كإدارة تنفيذية للبلاد.

 

 

إذن؛ فحين نتكلم عن الإدارة السابقة وعن الرئيس المنتهية ولايته، وعن أنها شهدت تضييقاً على المسلمين؛ فهذا ما لا أنكره، لكنه تضييق في حدود ليست كبيرة بل قليلة.
لكن الذي امتعض منه النيجيريون بشكل عام هو الفساد، وعدم الاستقرار الأمني، والموضوع الاقتصادي، هذه هي الأمور الأساسية التي امتعض منها النيجيريون، كذلك أننا لم نجد ثمة مصالحة حقيقية بين النيجيريين بل تزايد حالة الاحتقان السياسي كل هذه الأمور هي التي رجحت كفة المنافس وهو الرئيس محمد بخاري.

 

 

هذا ينقلنا للانتخابات عموماً ليست الرئاسية فقط لكن انتخابات الولايات وغيرها.. ما الذي تغير هذه المرة؟
التغير الحاصل أنه قد تبدلت الموازين؛ فحزب الرئيس البخاري قد حل مرشحوه في الحكم، وزادت الولايات التي يحكمونها، فأصبح الحزب المعارض هو الحاكم، والعكس في كل مكان، كحكام ولايات وأعضاء، فحزب الشعب النيجيري هو الحزب الوحيد الذي كان يحتكر السلطة منذ عشرين سنة تحول إلى حزب معارض الآن، وإلى أقلية..  هذا هو الذي تغير الآن حتى بالنسبة إلى انتخاب حكام الولايات، فحكام الولايات الآن في معظم ولايات نيجيريا الفائزون فيها هم حزب الرئيس محمد بخاري والخاسرون في معظمها هم حزب الرئيس المنتهية ولايته.

 

 

 هذا من الملامح في الانتخابات النيجيرية سواء الرئاسية أو انتخابات حكام ولايات معنى ذلك أن النيجيريين اختاروا التغيير، واختاروا حزباً جديداً ليدير البلاد برؤية جديدة بعيدا عن الرؤية القديمة التي سادت البلاد لمدة ما يقارب خمسة عشر أو عشرين سنة، وعليه، فطالما هناك حزب سياسي جديد يتولى سدة الحكم في البلاد؛ فبالتأكيد هناك رؤية جديدة ومقاربات جديدة وسياسات جديدة وتعاطي جديد مع أزمات قديمة ومتجددة في البلاد.

 

 

إلى أي مدى يمكن اعتبار أن العسكر قد ابتعدوا قليلاً عن واجهة السلطة، لأن البعض يقول إن بعض كبار الجنرالات انتقل من الحزب الحاكم إلى المعارض قبل الانتخابات فهل انتقل مركز الثقل من حزب إلى آخر أم أن هناك ابتعاداً نسبياً للعسكر؟
نعم هذا هو ما صار بالضبط، فالتعبير الذي استخدمتَه أتفق معه، وهو أن مركز الثقل تغير، ولذلك هذا بتغير الأطراف الفاعلين أو تنقلهم من جهة إلى جهة فقط لكن الشخوص هم أنفسهم. هذا الذي يمثل تخوفا من إدارة الرئيس الجديد لأن معظم الرموز السياسية الكبيرة الموجودة في الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس المنتهي ولايته أو الحزب الذي يحكم نيجيريا منذ عشرين سنة،  قد انتقلت من الحزب الحاكم حزب الرئيس السابق إلى حزب الرئيس المعارض حزب الرئيس الفائز الآن محمد بخاري وهم الذين ساندوه، وهم الذين حصل بينهم التحالفات، وهذا مبعث قلق بالنسبة لي.

 

 

 أنا أقرأ الشأن النيجيري فأرى هؤلاء هم الرأسماليون الكبار الذين هم هم الذين جسدوا الفساد، وهم أنفسهم الذين تحالفوا معه الآن؛ ولذلك الرئيس ليس هو الذي سيدير وحده. هو رأس الحكم ولكن لا يقف الرئيس محمد بخاري لينفذ السياسة الخاصة به وحده، فهناك مسؤولون آخرون سيقومون  كمنفذين تحت إدارته، وهناك أعوانه، وهناك مستشاروه، هؤلاء أتخوف منهم كثيراً، لأن هؤلاء هم الفاعلون الحقيقيون، والذين أتوا من الحزب الحاكم الفاسد القديم وتحولوا وتركوا حزب الرئيس السابق وتحولوا إلى حزب المعارض الذي هو أصبح الآن الحزب الفائز أو الحاكم.

 

 

هذا هو مصدر القلق عندي أنا شخصياً في قراءتي للشأن النيجيري وإدارة الرئيس الجديد للبلاد، فأنا أرى أن إدارته ستكون بإذن الله تعالى إدارة جيدة،  لكن الذين تحالفوا معه في أيام الانتخابات وعملية المساومة السياسية بين بعض الأطراف كلها أعتبرها من المثبطات إن لم يعصم الله هذا الرجل.

 

 

ألا يمكن أن نلمس بعض التغيير بناء على أن الديمقراطية إذا ترسخت في نيجيريا فهناك رقابة برلمانية وشعبية وإعلامية وما إلى ذلك يمكن أن تضبط نوعاً ما مسألة الفساد في نيجيريا علاوة على قبضة الرئيس؟
أعتقد ذلك، وهذا الذي يعول عليه الناس، لكن من خلال نقاشاتي مع كثير من الأطراف ومن الساسة والسياسيين وحتى الأكاديميين، أجدهم يقولون أن مخاوفك في محلها، لكن دعونا أن نملك مفتاحاً صحيحاً وإن شاء الله أن نملك رئيساً جيداً في ذاته إن شاء الله سيصلح الله به البقية، وهذا سواء من المستشارين أو من السلطات الأخرى بما أشرتَ إليه من السلطات التشريعية في البرلمان، بما أن الرئيس لديه توجه إصلاحي ونية إصلاحية، ولديه من النزاهة والسمعة الطيبة والسياسة واضحة والشفافية فإن هذا سينعكس على بقية المسؤولين في الدولة، وعلى بقية الأجهزة الأخرى في الدولة، وأنا معهم من المتفائلين.

 

هناك تصريح يلفت النظر للرئيس بخاري بعد الانتخابات أو بعد ظهور النتائج مباشرة قال ما نصه "أشكر الرئيس أوباما على التدخل في الوقت المناسب من أجل انتخابات سلمية ذات مصداقية في نيجيريا" ماذا كان يعني بالتدخل؟
أعتقد من واقع التحليل وليست المعلومات أنه إذا كان هذا التصريح للرئيس بخاري أنه إشارات واضحة للنظام الحاكم في نيجيريا أن المجتمع الدولي أو القوى الكبرى في العالم بما في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية تريد انتخابات نزيهة وشفافية واضحة، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بأي تلاعب في اختيار الشعب النيجيري، طبعاً هذه رسالة واضحة من أمريكا أنه ما شاب الانتخابات السابقة من عمليات التزوير والتلاعب وإلى آخره من اتهامات في هذا القبيل، فإن هذه المرة لن تسمح الولايات المتحدة بتكرارها، وأعتقد أن نفس الرئيس محمد بخاري يشير إلى ذلك بأن هذه رسالة كانت واضحة ولهجتها أكثر حدة وأيضاً وقعها له لهجة تأثيرها أيضاً واضح لدى النظام الحاكم في أبوجا أن أمريكا بعثت رسالة واضحة أننا كما يقولون في اللغة الإنجليزية انتهت اللعبة Game over.

(يتبع)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) السيرة الذاتية للضيف