حين يتحدث السفاح عن الإرهاب !!
22 ربيع الأول 1436
تقرير إخباري ـ المسلم

"إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت" حديث نبوي صحيح يصف فيه حال من يصنع كل الموبقات ويقترف كل المنكرات ولا يُستنكر ذلك منه ما دام قد فقد خصلة الحياء , وانتفى عنده الحس الإنساني .

ويبدو أن الذين ينطبق عليهم هذ الوصف في العصر الحديث كثر , فها هو السفاح نتنياهو الذي لم تجف يداه من أطفال فلسطين في العدوان الأخير على غزة , ناهيك عن جرائمه الوحشية بحق الفلسطينيين عامة سابقا , يشارك في المسيرة الباريسية ضد ما يسمى "الإرهاب" , ذلك المصطلح الهلامي الغامض الذي يطلق على كل عمل يريق دما غربيا أوروبيا , أو لنقل اختصارا دما غير مسلم سني , بينما لا يوصف به من يسبح بدماء الآلاف المألفة من المسلمين من أهل السنة .

لم تكن المشكلة يوما بين الغرب والمسلمين في وصف ما حصل في هجوم باريس بالعمل "الإرهابي" من عدمه , فالجميع متفق على أن القتل بهذه الطريقة غير مبرر ولا مشروع , بل ربما يكون تنديد المسلمين في الغرب والشرق بهذا الحادث أشد من تنديد غيرهم من الملل والنحل الأخرى .

ولكن الاختلاف الجوهري الظاهر هو الانتقائية في التعامل بين دم ودم , بين إرهاب وإرهاب , فبينما تقوم الدنيا ولا تقعد في حادثة كالتي حصلت بباريس , والتي راح ضحيتها أقل من عشرين شخصا , لا توصف أعمال إجرامية ضخمة كالتي يقوم بها نتنياهو بحق الفلسطينيين , أو طاغية الشام في الشعب السوري , أو الرافضة في العراق واليمن وغيرهما , أو المنظمات الإرهابية المسيحية في إفريقيا الوسطى , أو البوذيون والهندوس في أركان المسلمة , أو أو ....الخ , على الرغم من أن الضحايا هناك بالآلاف المألفة , وليس بالآحاد أو العشرات .

لم يكتف نتنياهو بالمشاركة في المسيرة الباريسية ضد "الإرهاب" , والتي فجرت موجة من الاستياء و الاستنكار ممزوجة بالسخرية من مشاركة سافك دماء الصحفيين في مسيرة التنديد بمقتل صحفيين , بل دعا الأخير الغرب لتوحيد الجهود مع "إسرائيل" والحكومات العربية "المعتدلة" ، لضمان "تحقيق الانتصار على الإسلام المتطرف" , وهو الأمر الذي يشير إلى درجة الانتقائية المزرية التي وصل إليها العالم الغربي في التعامل مع ما يسمى "الإرهاب" .

لقد أضحى السفاحون وأصحاب التاريخ الحافل بجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب يتحدثون عن محاربة "الإرهاب" , بل ويصفون الإسلام الذي لم يعرف التاريخ أرحم من فتوحاته وأنبل من معاملة أتباعه الحقيقيين بأنه متطرف !!

ومما يزيد الأمر وطأة على نفوس المسلمين في العالم , ارتفاع شعارات مسيئة للإسلام والمسلمين في هذه المسيرة , ناهيك عن مشاركة عدد من الساسة العرب فيها , بينما لم يحركوا ساكنا تجاه صمت الغرب عن "الإرهاب" الممنهج بحق إخوة لهم في الدين والعقيدة , مما يشير إلى الهزيمة النفسية أمام الغرب المستعمر .

لم يكن ما صرح به نتنياهو مستغربا , فقد استغل الحادثة للهجوم على الإسلام والمسلمين كما استغلها الكثير من الأحزاب اليمينية المتطرفة – وغيرها - في أوروبا , حيث أكدت الكثير من الصحف البريطانية والأمريكية على أن المستفيد الأكبر من حادثة باريس هي الأحزاب اليمينية الأوروبية .

ولقد كان أسوأ استغلال للحادثة ما تفوه به نتنياهو أثناء كملة ألقاها في المعبد اليهودي في باريس الليلة الماضية؛ حيث ذكر الأوروبيين بأن "الإسلام المتطرف هو أخطر تهديد تواجهه الإنسانية في العصر الحالي" , أما ما ارتكبه اليهود في فلسطين من مجازر عبر التاريخ فلا تشكل أي خطر على الإنسانية , فقط لأن دماء المسلمين – ومنهم الفلسطينيين – لا تساوي دماء الصهاينة والأوروبيين حسب مفهوم نتنياهو والغرب عموما .

والأنكى من ذلك أن يتحدث نتنياهو عن المثل والقيم الأخلاقية , حيث نقلت القناة "الإسرائيلية" الثانية الليلة الماضية عن نتنياهو قوله : "نحن في "إسرائيل" والأنظمة العربية المعتدلة والعالم الحر بأسره ، مطالبون بتوحيد الجهود من أجل الانتصار على الإسلام المتطرف ، هذا خطر يهدد ليس وجودنا ، بل قيمنا الأخلاقية" .

إنه يسمي القوانين التي تطلق العنان للصحفيين بانتقاد الإسلام والاستهزاء بمقدساتهم ليل نهار حرية وقيم أخلاقية , فإذا ما لامست هذه الحرية أساطير الصهيونية عن المحرقة أو الهولوكوست انقلبت إلى جريمة يطلق عليها في قوانين الغرب "معاداة السامية" !!

وبينما يحاول نتنياهو لفت الأنظار عن إرهاب كيانه بقوله : "لا فرصة أمامنا، إلا الانتصار في هذه المعركة أمام من يحاول إرجاعنا ألف عام إلى الخلف" , يتناسى أن جرائمه الوحشية بحق الفلسطينيين أعادت الإنسانية والعالم آلاف السنين إلى الخلف .

لقد عجت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات السخرية من مشاركة نتنياهو في المسيرة الباريسية وحق لها أن تعج , وتناقل العالم عبارات للتعبير عن هذه المهزلة من قبيل : "الشيطان يعظ" وغيرها , ولكني لا أظن أنها ستغير شيئا من انحياز الغرب لليهود وكيانه الصهيوني .