
حالة من الهستيريا وإلقاء الاتهامات أصابت العديد من الكتاب والإعلاميين بعد الهجوم على الصحيفة الفرنسية الساخرة في باريس والتي كانت قد نشرت رسوما مسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه سلم قبل سنوات وأثارت حفيظة المسلمين حول العالم...تركزت الاتهامات على المسلمين بشكل عام ومسؤوليتهم عن الهجوم وضرورة تقديمهم الاعتذار تلو الاعتذار للغرب "المتسامح" حتى يعفو عنهم بعد هذه الجريمة التي ارتكبها عدد منهم, وهي حالة عجيبة من الذل والصغار وجلد الذات لا تتناسب مع ما يقوم به الطرف الآخر من كراهية مبالغ فيها تجاه المسلمين واستفزاز لمشاعرهم..من المؤكد أننا لا نبرر الهجوم على الصحيفة ولكن في نفس الوقت لا تستسيغ رد الفعل الدرامي من قبل بعض المسلمين والذي يضع المسلمين جميعا في دائرة الاتهام والاعتذار عن ذنب لم يرتكبوه...
العجيب أن أحدا لم يلتفت للجرم والاستفزاز الذي ارتكبته الصحيفة الفرنسية والاستهانة بمشاعر المسلمين الذين يقدرون بالملايين في فرنسا ولم يلتفتوا أيضا إلى أن الصحيفة الفرنسية التي تتباهى بالحرية طردت كاتبا فيها لأنه كشف عن أصول نجل الرئيس السابق ساركوزي اليهودية واتهمته بمعاداة "السامية" كما كشف عن ذلك الكاتب الصحفي جمال سلطان, يعني هذه الصحيفة التي تتباهي بحريتها وتسخر من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستطيع المساس ولو من بعيد باليهود! وهذه رسالة للذين اعتبروا أن القضية قضية حرية رأي وأن الصحافة الغربية لا تأبه لغضب أحد!...
كذلك تجاهل هؤلاء الاعتداءات المستمرة على المسلمين وجرائم القتل التي يتعرضون لها على أيدي "المسيحيين" والبوذيين وعدم التزام الغرب و"المسيحيين" بشكل عام بالاعتذار وعدم شعورهم بهذا الذنب الذي يريد هؤلاء أن يشعر به المسلمون في كافة أنحاء العالم تجاه هجمات باريس...هذا كاتب فرنسي نظر للامور بمعيار مختلف رغم أنه ينتمي لنفس الثقافة ونفس الديانة فقد علق الكاتب الصحفي الفرنسي الآن جريش مدير تحرير اللوموند الفرنسية على حادث مجلة شارلي أبيدو منتقدا دور الحكومات الغربية فى تغذية العنف قائلا : "ينسى هذا الغرب أنّ ما يغذّي التطرف هو سياسة فعلية تمثلت في العقد الأخير في تدمير العراق، وسحق الشعب الفلسطيني، وهجمات الطائرات من دون طيار في اليمن والصومال التي أدت إلى عشرات الضحايا المدنيين". وأضاف "ستكون هناك، دوماً، مجموعات متطرفة جاهزة للاعتداء على مدنيين. مواجهة هذه المجموعات تقع على عاتق الشرطة، وليس الجيش والتدخل العسكري. من أجل ضرب قوة هذه المجموعات، يجب على الدول الغربية أن تفرض بشكل أساسي على إسرائيل إنشاء دولة فلسطينية. كذلك عليها أن تسعى إلى مراجعة استراتيجيتها والدخول في نقاش حول أسس "الحرب ضد الإرهاب" التي أطلقتها الدول الغربية و"المجتمع الدولي"، بعد توسع تنظيم داعش. وتابع "مع وضوح نتائج هذه الحملة (زيادة العنف حول العالم، تبرير الاعتداءات ضد الحريات، والتشريعات الجديدة المناهضة للإرهاب، وتفاقم التوترات المذهبية، والمزيد من التأييد للديكتاتوريات في الشرق الأوسط) ألم يحن الوقت للمراجعة؟ يجب التذكير، هنا، بأنّ موجة الربيع العربي في 2011-2012 أدت إلى تراجع نفوذ القاعدة وأفكارها المتطرفة؛ لأنّ الانتفاضات فتحت المجال أمام التحول السياسي والديمقراطي في الدول العربية. إذا أغلق هذا المجال الديمقراطي، لن يبقى سوى العنف"...
هذا كاتب غربي يكشف مسؤولية الغرب فيما يحدث من عنف فليس المسلمون وحدهم المسؤولون عن ذلك كما يدعي البعض ونفس الكلام تقريبا أكدته صحيفة الجارديان التي رفضت تحميل المسلمين بصفة عامة مسؤولية مثل هذه الهجمات ودعت الى عدم إلقاء اللوم على مسلمي فرنسا، بسبب الهجوم الذي تعرضت له صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية،وعزت الصحيفة سبب الهجوم إلى رواسب تاريخية قبل نحو نصف قرن، وأنه لا يزال هناك شعور قوي بالإستياء بين المجتمعات المغتربة التي تعيش في المناطق السكنية بضواحي العاصمة الفرنسية، وكثير منهم مسلمون أصلهم من شمال أفريقيا ويشكون من أن التمييز ضدهم يمتد إلى كل ميادين الحياة، من السكن والعمل إلى حق التعبير الديني.
وأشارت الصحيفة إلى أن خطاب الكراهية ضد الدين ساد في فرنسا الحديثة ويتم التلاعب به لأغراض سياسية من قبل اليمينيين واليساريين، كما أن سياسة الهجرة تشكل جزءا أساسيا لكل هذا الخطاب...إن المسلمين ليسوا مسؤولين عن أخطاء عدد قليل منهم وغير مضطرين لدفع ثمن ذلك لا قانونا ولا عقلا ولا شرعا كما هو الحال بالنسب لكافة المنتسبين للأديان الأخرى والذين يقوم بعضهم بالاعتداء على المسلمين؛ خصوصا مع حجم الظلم الذي يتعرض له المسلمون في كل مكان وبصورة واضحة تماما للأعين.