لا يمكننا أن نجزم بالملابسات التي أحاطت بمقتل الشيخ مصطفى باهيجا، الذي تقول الأنباء إنه يرأس جماعة التبليغ والدعوة في كامبالا، ولا الشيخ الشيعي عبدالقادر موايا، الذي تقول المصادر الشيعية إنه رئيس الطائفة الشيعية في أوغندا، الأسبوع الماضي، والذي قيل إن عمليتي قتلهما تمت على أيدي مسلحين قد يكونان ينتميان إلى "القوات الديمقراطية المتحالفة"، فالمنطقة مضطربة إلى حد ما، والأخبار المتداولة حول كون الشيخين السني والشيعي لم يتعاونا مع تلك المنظمة ربما ليست هي بيت القصيد.
لكن ما يمكننا استكناهه من هاتين الحادثتين أن التوتر والقلق في هذا البلد المسلم قد دخل منعطفات أكثر خطورة، وفتح أبواباً كانت مغلقة لقرون طويلة؛ فأحد أهم ما يستوقفنا من تلك الحادثة الخاصة بمقتل الشيخ الشيعي، هو ذاك التوجه الإيراني لنشر التشيع في بلدان سنية كانت آمنة؛ فهيجت تدخلاتها الدينية فيها مشكلات وأحدثت صراعات وتوترات على خلفية الاستقطاب الحاصل في كل بلد تشعل طهران نار فتنتها فيه.
فالوجود الشيعي كان موجوداً بالفعل في أوغندا بشكل محدود عن طريق التجار الهنود وغيرهم، وهم من كانوا يسمون بـ"الخوجة"، وقد كانوا منكفئين على ذواتهم وكانوا يتعايشون كأقلية لا تسعى للتمدد على الأقل في المستوى المنظور والمرصود إلى أن قامت الدولة الإيرانية فاهتمت بنقل معتقدها إلى بلدان إفريقية اختارت منها أوغندا لأسباب استراتيجية، سياسية وعسكرية، قبل أن تكون "دعوية"؛ فأوغندا، ذاك البلد المسلم، الذي لا يقل نسبة مسلميه عن 40% من سكانه، يتمتع بموقع جغرافي بالغ الأهمية بإطلالته على بحيرة فيكتوريا العذبة، أحد أهم منابع النيل، والمؤثر الأكبر على بلدان حوض النيل، اختارت إيران أن تنشر مؤسسات التشيع في مدن وقرى تطل أو تقترب من منابع النفط مثل كمبالا العاصمة وجنيجا وامبالي وبونية وغيرها.
ما بدا مع مقتل الدكتور موايا، من خلال صحافة شيعية عربية أن الرجل قد ساهم في تشييد خمسين مسجداً للشيعة في أوغندا، وهو رقم يعبر بالتأكيد عن نشاطه ودوره، وحجم المال الداخلي والخارجي الذي وضع بين يديه، وأيضاً ما أصبح يؤثر به سياسياً للحد الذي جعل جماعة مسلحة تهتم بقتله مع أنه من المفترض أن تتركز عملياتها على الأهداف الحكومية، لكن عبارات "التأبين والإشادة" التي وردت على لسان وزراء ونواب برلمان دلت على أن الرجل لم يكن يقتصر على نشاط تشييعي لا علاقة له بالسياسة في هذا البلد المضطرب.
وما يكشفه قتله أيضاً، أن الصراع في أوغندا، الذي ورثت فيه هذه الجماعة، "جيش تحرير أوغندا"، والتي أدرجتها الولايات المتحدة ضمن المنظمات الإرهابية، مذ تغيرت أيديولوجيا نوعاً ما، من الحالة "الإثنية" إلى "الدينية" التي قيل إنها لها علاقة متنامية مع "حركة شباب المجاهدين" الصومالية، قد أخذ منحى متصاعداً من ترتيب الأوراق والأولويات في هذا الصراع المطمور إعلامياً، لاسيما أن القتيل الآخر هو شيخ سني، لم ترشح معلومات أكيدة عن مدى علاقته بالحكومة التي تحاربها تلك الجماعة.
هناك على ما يبدو في أوغندا، وميض تحت رماد الاستقطاب الديني والقبلي، يجد طريقه للاضطرام.