الدم واحد، والقتل واحد، والجريمة واحدة، لا فرق بين أن يكون "الإرهاب" باسم "الدولة" أو باسم "تنظيم" أو "جماعة"
في درعا، تم اكتشاف شهداء مجزرة جماعية نفذتها قوات "حزب الله" في مدينة درعا، وقد بلغ عددهم نحو مائة مدني، وقد أمطرت قوات بشار الجوية 16 برميلاً متفجراً على عدة مناطق في ريف درعا، ما أدى إلى تسوية عشرات المنازل بالأرض، وتم قصف مسجد المليحة الشرقية بدرعا أثناء صلاة الجمعة قبل الماضية، وفخخت شبيحة بشار مسجداً آخر، لكنه أودى بحياة العشرات من مفخخيه بدلاً من تفجير في المصلين.. هذه الجرائم الإرهابية ضد المدنيين تمت في أسبوع واحد في منطقة واحدة، هي درعا وريفها، في وقت يمتنع العالم كله عن وصم هذه العمليات الإجرامية التي تقوم بها عصابات بشار ونصر الله وقاسم سليماني، بالإرهاب.
وإلى الشرق البعيد، استهدفت مجموعة تنتسب إلى جماعة طالبان باكستان مدرسة لأبناء العسكريين ما أدى إلى استشهاد نحو 140 طفلاً، وعشرات الجرحى، في وقت تبرأت العديد من الحركات المسلحة من تأييد مثل هذه العمليات المدانة شرعاً قبل أي شيء.
من المنطقي أن يدين كل مسلم حر، كل هذه الممارسات التي تخلو من أي مبرر شرعي أو قانوني أو أخلاقي، وهذا دأب أهل الدين والمروءة، لكن ترى أيشاطرهم العالم هذا الموقف؟! بالطبع لا، فالعالم لم يزل يؤيد المجرم السفاح بشار الأسد في جرائمه التي أدت إلى استشهاد أكثر من ربع مليون سوري، وشردت الملايين، وهدمت عشرات الآلاف من المساجد، وزجت بعشرات الآلاف خلف قضبان سجون تنتهك فيها كل حقوق السوريين، ويسعى الغرب لإعادة تدوير القمامة الديكتاتورية الحاكمة في دمشق لكي تنفذ من نافذة التوافق حول حكومة يقال الآن إنه سيترأسها رفعت الأسد المسؤول الأول عن مجزرة حماة في الثمانينات والتي استشهد فيها نحو 70 ألف مسلم سني على يد عصابات نصيرية مجرمة، وتتم مفاوضات الآن مع قوى معارضة "مستأنسة" للقبول بالإبقاء على وزارتي الدفاع والداخلية والاستخبارات ضمن نفوذ الطائفة النصيرية المسؤولة عن كل الفظاعات التي قام بها نظامي الأسد، الأب والابن، في أي ترتيب جديد، وهي الصيغة التي تضغط فيها واشنطن وبروكسل على تلك المعارضة للقبول بهذا الترتيب الإجرامي.
الازدواجية في إدانة الجرائم الإرهابية هي من ممارسات الغرب وحده، وإلا فكل القامات الإسلامية العلمية تدين هذا وذاك، بل تدرك أن فظائع النظم المعترف بها دولياً أكثر فداحة من أي جريمة تقوم بها جماعة متحررة من كل القواعد الدولية التي أعلنت تلك النظم إيمانها بها، وأقسمت على السهر على احترامها، ناهيكم عن أن الممارسات الإرهابية التي تصدر عن بعض الجماعات هي أفعال باتت معزولة حتى من أولئك الذين التقوا معها في الفكر يوماً؛ فهذا مثلاً، مجلس شورى المجاهدين بشمال وزيرستان، وهو فصيل باكستاني مسلح كبير انشق عن طالبان باكستان نفسها قبل أشهر وصفت هذا العدوان على الأطفال بـ"غير الإسلامي"، وكذا أدانته حركة طالبان أفغانستان.
إن القامات الإسلامية حول العالم حين تدين هجوماً إجرامياً كمثل هذا الذي ارتكبته جماعة متفككة لم تعد تخضع لقيادة واحدة، كطالبان باكستان، أو غيرها من الجماعات، إنما تنطلق من مبادئ ثابتة لا تتزعزع، ولا تعرف الازدواجية، إنما الغرب وأتباعه في بلادنا العربية ما انفك يكيل بمكاييل متعددة لأفعال متشابهة يثبت به تنكره التام لمبادئه المعلنة، ويظهر بجلاء فساد هذه المبادئ وعدم واقعيتها أو عدم إيمانه بها، وأنه لا يختلف كثيراً عن أصحاب الجرائم الإرهابية، إن لم يكن هو معلمهم الأكبر..