والله لن يخزيكم الله أبداً! "تأملات في أزمة الموقوفين ببنغلاديش"
13 صفر 1436
عمران بن كبير الأركاني

الله خلقنا لكي نعمل، "ليبلوكم أيكم أحسن عملًا" .. وكلّ عمل مع الله يحارب، وتلك سنة الحياةِ من عهد آدم والجدود!

 

ربّما كان أوّل درس تلقّاه النبي صلى الله عليه وسلّم حينما نزل عليه الوحي، ونقل ما حدث له لورقة بن نوفل –وكان من أهل كتاب-..

قال له ورقة:

"ليتني حيّا إذ يُخرجك قومك"

فقال له رسول الله متعجبّا: "أو مخرجيّ هم؟!".

قال ورقة:

"نعم؛ لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئتِ به إلا عودي"!

 

قبل أيام اعتقلت حكومة بنغلاديش رفاقي وأساتذتي الذين ذهبوا هناك على الشريط الحدودي لأراكان المسلمة لإغاثة اللاجئين المنكوبين بهدف التنسيق مع حكومة بنغلاديش، ولُفّقت عليهم من قبل وُشاة تهما باطلة، وتناقلت وسائل إعلام دولية خبر توقيفهم مع التهم المزيفة التي صنعها شرذمة عاملهم الله بما يستحقون!

 

كان الخبر بالنسبة لي طبيعي جداً، رغم أن هناك أيادي خفية تريد تضخيم الحدث عبر بثّ إشاعات وتحليلات، ومسانَدة الحكومة البوذية في مضايقتها على كل من يسعى لنصرة الشعب الروهنجي المضطهد!

 

كتبتُ قبل سنوات أن ظلام التثبيط لا يقوى على ضياء العمَل، وأن المرء الطموح العامل الذي ينتظر الانتشاء بالنصر الحقيقي يجب عليه أن يقبل التحديات، فالإنسان كما قيل قديماً لم يتقدم عبر تأريخه الطويل إلا من خلالِ الأزمات!

 

منذ أن بدأنا نعمل في المركز الروهنجي العالمي لنصرة المستضعفين الروهنجيين في شتى بلاد العالم، ونحن نواجه كل يوم سيلاً من التهم الكاذبة وتحريضًا مباشراً من جهات معروفة معادية لكل ما من شأنه أن ينهض بالأمم المستضعفة، لكنّنا على يقينٍ تام أن من يخشى البلَل لا يصطاد السّمك، ومن يخشى المتاعب لا ينزل الميدان!

 

تعلمنا من خلال فهم واقعنا مع الأزمات المستمرة، أن نوظفها ونجابهها بقرارات شجاعة ولله الحمد، ولم تمر بنا صدمة إلا وتخطيناها بإيماننا العميق بأن وراء التحديات خير عميم، ولنا في اليابانيين عظة وعبرة فهم عندما خافوا من المجاعة أيام كارثتهم، ولد في داخلهم إصرار على عمل منقطع النظير!

 

الاستعلاء على الضغوطات:

إن العدو حين يمارس معك القسوة، ويسعى من أجل إسقاطك، وأنت تكافح من أجل الصمود .. فهو يقدم لك دورة تدريبية مجانية في خوض التحديات ومعالجة الأزمات بخطط تعاود النهوض؛ كانت ربما هذه الدورة تكلفك آلاف الدولارات!

 

الأزمات تشقّ للإنسان مدارك الاستشعار بالفرص المستقبلية، والمخاطر المحتملة وقوعها، وطرق تجاوزها..

وأزمتنا هذه المرّة، فحَصت لنا العدوّ الحقيقي للشعب الرّوهنجي، والمتلاعبين بقضيتهم، ومن يقف مع الخوَنة المرجفين ويصطفّ بجانب البوذيين القتَلة ويمارسوا اللعبة الانتقامية لتحقيق مصالحَ ذاتية، قال الله وجلّ الله سبحانه: "ولتستبين سبيل المجرمين"!

 

قبل أزمتنا هذهِ كنت أرى في الساحَة من يراوغ مرواغة الثعلب، ويلتوي كالثعبان، ويبدلّ جلد وجهه عشرين لونًا كالحرباء؛ ورغم ذلك كنتُ ألتمسُ العذر لهم، ولكن أزمة اعتقال الناشطين في بنغلاديش أثبتت قول الله عزوجل :"ليميز الله الخبيث من الطيب"!

 

لقد علمتني هذه الحادثة، أن الأزمة كلما استفحلت وأصبحت ككرة الثلج تنحدر للهبوط وتكبر بشكل دائري مع تسارع السقوط، فهي تعلن أنها ستصطكّ بحاجز وتتناثر حباتها، تلكَ سنّة الله في الازمات، فكلما ازداد البلاء اقترب النصر، ولنا في كلام الله أعظم العبرة : "وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصرُ الله..؟"

يأتي الجواب بعد الزلزال المهيب:

 "ألا إنّ نصرَ الله قريب"!

 

نحنُ أيهّا القرّاء بالأزمات نعبر القارات، ونصنعُ الهمم، ونلهم الأجيال، بحول الله وقوّته وإرادته، ونمتثل بوصية ذلك الحكيم الذي كان يعلّم ابنه المشلول السباحة قائلاً:

اعلم يا بنيّ أن في كل جدار باباً يمكنُ أن ينفتح!

 

 

المصدر/ وكالة أنباء أراكان