
في الوقت الذي تعيث فيه الكثير من المنظمات والحركات والأحزاب الإرهابية الحقيقية في العالم فسادا , وترتكب أبشع مجازر القتل بحق شعوب أهل السنة في المنطقة العربية والعالم , ناهيك عن جرائم الاغتصاب والتهجير الطائفي والتطهير العرقي , لا تكترث الدول الغربية إلا بالفصائل الإسلامية السنية المقاتلة في دول ما سمي "بالربيع العربي" .
لقد وثقت منظمات حقوق الإنسان الدولية الحكومية وغير الحكومية التابعة للأمم المتحدة وغيرها , الكثير من الجرائم والانتهاكات الخطيرة التي مارسها النظام السوري والعراقي في عهد المالكي والمليشيات الطائفية الشيعية في كلا من البلدين المذكورين , دون أن تصنف هذه الأنظمة والأحزاب والمليشيات ضمن لائحة الإرهاب الغربية , مع أن عهد المالكي موصوف دوليا بأنه عهد طائفي بامتياز , والنظام السوري بأفعاله لا يحتاج لشهادة الغرب على "إرهابه" بحق الشعب السوري .
في مقابل هذا الصمت والسلبية الغربية تجاه هذا "الإرهاب" الصارخ , سارعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية إلى إدراج كل من "جبهة النصرة" و "داعش" و "القاعدة" ..... من قبل في اللائحة السوداء , وها هي اليوم تطالب بإدراج جماعة "أنصار الشريعة" في ليبيا على لائحة الإرهاب , تمهيدا على ما يبدو لتبرير تدخل عسكري ينهي وجود قوة إسلامية سنية في دول جديدة من دول "الربيع العربي" .
فقد طلبت بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا أمس الثلاثاء من لجنة عقوبات القاعدة بمجلس الأمن الدولي إدراج جماعة "أنصار الشريعة" في ليبيا على القائمة السوداء , وكان وزير الخارجية الفرنسى "لوران فابيوس" قد وصف ليبيا أثناء اجتماع رفيع المستوى فى الأمم المتحدة خصص لهذا البلد بأنه "بؤرة للارهاب" .
ونقلت وكالة رويترز عن ديبلوماسيين رفضوا الكشف عن هويتهم قولهم : إنه إذا وافق جميع الأعضاء الخمسة عشر بلجنة عقوبات القاعدة التابعة لمجلس الأمن الدولي فإن الجماعة ستضاف الى القائمة السوداء في 19 نوفمبر/تشرين الثاني , وستخضع لحظر على السلاح وحظر عالمي على السفر وتجميد للأصول .
وبغض النظر عن ممارسات هذه الحركات والجماعات الإسلامية فإن ما تقوم به الدول الغربية يبدو في غاية الازدواجية والعنصرية , إذ لا تتضمن هذه اللائحة السوداء إلا الحركات والمنظمات الإسلامية السنية , بينما تغيب عن هذه اللائحة جميع الحركات الإرهابية الشيعية التي لا يمكن حصر عددها في كل من سورية والعراق ولبنان وغيرها .
إن السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في المنطقة العربية عموما وفي دول الربيع العربي خصوصا تبدو واضحة كل الوضوح , فبينما تغض الطرف عن "إرهاب" الأنظمة الديكتاتورية والمليشيات التابعة لها , ولا تدرج أيا منها على لائحة "الإرهاب" , تسارع إلى إدراج الفصائل المقاتلة لهذه الأنظمة والمليشيات على لائحة "الإرهاب" .
والهدف الأساس من مثل هذه الخطوة هو تغيير بوصلة ثورات الربيع العربي , فبينما كانت بوصلة الثورة السورية باتجاه إزالة النظام السوري وإسقاطه , أصبح اليوم محاربة "داعش" بعد أن أدرجها الغرب على لائحة الإرهاب , وحول جميع الأنظار إليها , لتغدو المعركة الفعلية على الأرض ضد "داعش" لا ضد "النظام السوري" .
ويبدو أن الهدف من المطالبة بإدراج "أنصار الشريعة" في ليبيا على لائحة الإرهاب الغربية هو تغيير البوصلة أيضا , فبدلا من أن تكون المعركة ضد أنصار "حفتر" المنقلب على الشرعية , تصبح ضد "أنصار الشريعة" أولا , ومن ثم ضد الفصائل الليبية السنية المنضوية تحت مسمى "فجر ليبيا" قريبا , والتي ستصبح هي "الإرهابية" حسب المفهوم الغربي المنحاز .
وحتى يبرر الغرب وواشنطن هذا الطلب لا بد من توجيه تهمة إرهابية إلى "أنصار الشريعة" , ألا وهي المسؤولية عن هجوم في 2012 على القنصلية الامريكية السابقة في مدينة بنغازي بشرق ليبيا والتي قتل فيه السفير الامريكي .
ليس الغريب أن ينحاز الغرب و واشنطن للقوى والتيارات العلمانية في دول "الربيع العربي" , فهي رأس حربتها في تلك البلاد , والمنفذ لأجندتها في كل الأوقات , كما أنه لم يعد سرا أن الغرب هو من صنع الأنظمة الديكتاتورية العربية , ويتحالف بشكل علني مؤخرا مع طهران راعية الإرهاب في المنطقة , وبالتالي فلا عجب أن لا تدرج أمثال هذه الأنظمة والتيارات والمليشيات على لائحة إرهابها .
ولكن العجيب والغريب أن ينخدع المسلمون من أهل السنة بهذه المسميات , ويُستدرجون لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ضد قائمة لائحة "الإرهاب" الغربية المزعومة , وينسون معركتهم الحقيقية مع الإرهاب الحقيقي الممارس على شعوبهم وأهلهم في كل من سورية ولبنان والعراق واليمن وليبيا ....الخ .