شرعنة الحرب الغربية على الإسلام
21 ذو الحجه 1435
د. عامر الهوشان

أن تحارب الدول الغربية الصليبية الإسلام والمسليمن علانية في العصر الحديث ليس بالأمر الجديد , فلطالما حارب أجدادهم اليهود والنصارى المسلمين من خلال الحملات الصليبية على المشرق الإسلامي , والتي لا يبدو أنها توقفت عند حاجز الثمان حملات كما يؤرخها الباحثون , بل تجاوزت ذلك العدد بكثير . ولكن الجديد في الحرب الغربية المعاصرة على الإسلام هو لبوسها ثوب الشرعنة والقوننة , من خلال سن القوانين الكفيلة بتجريم المسلم أينما كان وحيثما قطن , ووصفه "بالإرهاب" وممارسة العنف وإن كان هو دائما الضحية والمظلوم والمضطهد , وتعديل القوانين الخاصة به لممارسة المزيد من الاضطهاد والتضييق عليه , باسم محاربة "الإرهاب" وتجريم "التطرف" وتطبيق القانون . لقد حاولت أمريكا والدول الغربية دائما الظهور بمظهر الراعي لحقوق الإنسان , والمحافظ على حماية الحريات لجميع القاطنين على أراضيها بمن فيهم المسلمين , إلا أن الأحداث والوقائع والقوانين التي كانت وما زالت مجحفة بحق المسلمين ومنحازة لليهود وغير المسلمين , تثبت عكس ما يدعيه الغرب ويزعمه منذ عقود . بل إن الولايات المتحدة الأمريكية وبعد أحداث 11 من سبتمبر كشفت عن حربها المعلنة على الإسلام والمسلمين , والتي كانت تخفيها من قبل وتحاول التمويه عليها بشعاراتها الإنسانية الزائفة , وأعلنها بوش الابن حربا صليبية جديدة على العالم الإسلامي , وحاول شرعنة تلك الحرب بسن القوانين التي تزيد من تشديد الخناق على المسلمين في أمريكا . ولم يقف أمر شرعنة الحرب على الإسلام باسم محاربة "الإرهاب" عند الولايات المتحدة الأمريكية , فتبعتها الدول الغربية بسن القوانين الجائرة ضد المسلمين , وشرعنة ملاحقتهم وتضييق الخناق على حريتهم الدينية والسياسية والاقتصادية وحتى الشخصية في اللباس والمأكل والمشرب , بينما يتمتع غير المسلمين بكامل الحريات والحقوق الإنسانية المكفولة دوليا . لقد أثبت التاريخ والوقائع المعاصرة أن الحريات التي يتبجح بها العالم الغربي لا تراعى إلا مع غير المسلمين , وأن جذور وأسباب "الإرهاب" الذي نراه اليوم في العالم إنما يعود إلى تلك السياسات الغربية المجحفة بحق المسلمين والازدواجية بكل المقاييس , وأن توقف الغرب عن هذه السياسة كفيل بتجفيف منابع "الإرهاب" الذي صنعه الغرب بيديه من خلال ممارساته الاستبدادية والعنصرية . لم يكتف الغرب بسن القوانين المجحفة بحق المسلمين , بل راح يتلاعب بها بالتعديل الذي يكفل المزيد من تضييق الخناق على المسلمين , بعد أن رأى الغرب المزيد من مواطنيه يدخلون في دين الله أفواجا , من خلال المزيد من محاولات التشويه للإسلام , والشرعنة لمحاربته بهدف إيقاف مده وانتشاره . فمنذ مدة يسيرة سنت بريطانيا بعض القوانين التي تزيد من تشديد الرقابة على المسلمين باسم "محاربة "الإرهاب" , ثم تبعتها سويسرا منذ أسابيع مستغلة تنبؤات بهجمات إرهابية محتملة في بلادها , وصدر ما يسمى "مذكرة قانون المقاتلين الأجانب"، الذي يشرعن حق إمكانية توجيه الاتهام "بالإرهاب" لأي مجتمع ديني يتناول نصوصًا أو موضوعات دينية تحث على الجهاد . وعلى الرغم من تقدَّم المجلس الوطني للأئمة الأستراليين بطلب للحكومة وقّع عليه 250 إمامًا وداعية ، يطالب بمراجعة قانون مكافحة الإرهاب، والتراجع عن النصوص التي تعتبر أن تدريس آيات الجهاد وأحكامه تحثُّ على العنف , معتبرين أن القانون يمثِّل انتهاكًا للحرية , ويمنع المسلمين من الدفاع عن أوطانهم , إلا أن الحكومة الاسترالية لم تلتفت لهذا الطلب بعد . وها هي النمسا تحذو حذو تلك الدول بمناقشتها لمشروع "قانون الإسلام الجديد" الذي انتقده الكثير لما يحمله من ذهنية ترى في المسلمين تهديداً ، مشيرين إلى أن بعض مواده تنتهك مبدأ المساواة، إضافة إلى انتهاك حرية ممارسة المعتقدات الدينية، وتشكيل المنظمات . لم يتوقف الجدل حول مشروع هذا القانون المجحف بحق المسلمين ، والذي قدمته الحكومة النمساوية في أكتوبر الجاري للبرلمان من أجل المصادقة عليه، حيث فتحت إضافة مواد جديد عليه الطريق أمام إعاقة بعض الهيئات الإسلامية من ممارسة حقوقها ، كالمتعلقة بالتمويل ، وإنشاء جمعيات ، وأخرى متعلقة بممارسة الدين . لقد ظهر الإجحاف بحق المسلمين في مشروع هذا القانون في المادة التي تحظر تلقي التمويل من الخارج ، حيث منعت الجماعات الإسلامية من تلقي أي نقود من خارج النمسا، من أجل أنشطتها الدينية ، دون أن يمنع غير المسلمين من ذلك , الأمر الذي يعتبر انتهاكا صريحا لمبدأ المساواة في الدستور النمساوي ، لعدم تطبيقها على المسيحيين الكاثوليك ، والبروتستانت ، واليهود . كما أن مشروع القانون ينتهك حرية الدين بخرقه حق تشكيل منظمات المنصوص عليه في القوانين، وحق تعليم الدين وممارسته الواردة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ، فضلاً عن مبدأ المساواة . لم يكن مشروع هذا القانون وليد الأحداث المعاصرة التي يخوض فيها الغرب غمار حرب جديدة على ما يسمونه "إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية" , بل كانت بداية التحضير له منذ قرابة (3) سنوات دون علمهم بذلك ، كما يقول المحامي "متين آق يوريك"، أستاذ قسم القانون العام بكلية الحقوق في جامعة "سالزبورغ" , الأمر الذي يؤكد النية المبيتة لشرعنة الحرب على الإسلام والمسلمين . إن نظرة متأنية لقوانين الدول الغربية الخاصة بالمسلمين تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنها عنصرية وغير عادلة , وأنها محاولة صريحة لشرعنة الحرب على الإسلام , حيث لا توجد أمثال هذه القوانين لليهود أو غير المسلمين , فأين هو مبدأ المساواة إذن الذي يعتبر من أهم المبادئ التي تدعيها الدول الغربية ؟!!