(( أنتم دولة عضو في الناتو وعلى العضو واجبات في مقابل ما له من حقوق.. فمثلما نحميكم من شرور أعدائكم، يتعين عليكم مشاركتنا عندما نحتاج إليكم!!))!!
هذا ليس تسريباً لمحضر سري على طريقة ويكيليكس، وإنما هو خلاصة أكيدة لما تطلبه الولايات المتحدة من تركيا في الظروف الراهنة، حيث تخوض واشنطن حرباً زعمت أنها مخصصة للتخلص من تنظيم داعش الذي يسمي نفسه: " الدولة الإسلامية في العراق والشام"؛ وأضافت إلى أهداف الحرب المعلنة تنظيماً لم يسمع به أحد من قبل "" خراسان"" مدّعيةً أنه أشد خطورة من داعش، لأنه- بحسب التلفيقات الأمريكية - تنظيم لا يقاتل عصابات الأسد البتة، وإنما يستغل الساحة السورية المنفلتة لتدبير خطط لتنفيذ هجمات على أمريكا في عقر دارها!!
الأتراك لا يخفون ترددهم ولا امتناعهم عن تحديد موقف واضح، منذ لقاء جدة حيث أيدوا مواجهة داعش مبدئياً، لكنهم نأوا بأنفسهم عن المشاركة الرسمية فيها ولا سيما عسكرياً.. وهواجسهم لا تنبع من تعاطف ضمني مع داعش مثلما يسعى الإعلام الصهيوني –والمتصهين وراءه- إلى التشكيك فيهم، فهم يعانون من تكفير الغلاة لهم قيادة وشعباً. وتدرك أنقرا أن الغلاة –مثل الغرب تماماً- يخدمون طاغية الشام مع أنهم يزعمون العداء له!! الفرق أن الغرب يفعل ذلك عن حقد وخبث، وأن الغلاة يفعلون عن غباء وسذاجة مفرطة.
في البداية، تخفى التهرب التركي وراء 49 رهينة تركي كان داعش قد اختطفهم، فإذا به يطلقهم في توقيت مريب؟!
وبعد عودة الرهائن، أصبحت الحكومة التركية في زاوية تضيق يوماً بعد يوم..ولم يعد ثمة منافذ كثيرة تمنحهم الوقت الملائم لمزيد من المماطلة..
فما الذي يجعل الأتراك على هذا القدر من التمنع النسبي؟
الحقيقة أنهم لا يثقون بالغرب جملة وتفصيلاً، لأنهم يعون جيداً حجم المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية..هم لا ينسون أن الغرب تواطأ مع أتاتورك بقوة، لأن أتاتورك كان تغريبياً شرساً بالمعنيين: الحضاري والسياسي، فقد وأد عميلهم تركيا العثمانية وقطع جميع روابط الأتراك معها ومع تاريخها، من اللغة إلى فرض التغريب ومطاردة الدين وأهله وبناء جدران كراهية بينهم وبين أشقائهم العرب..
أما اليوم- وهنا المفارقة- فإن الغرب يتمنى أن تنشقّ الأرض وتبتلع حزب العدالة والتنمية الحاكم، لأن يحاول بهدوء –ولكن بإصرار- أن يعيد وصل ما انقطع!! إنه نقيض الأتاتوركية 100%..
ويفهم الأتراك الآن أنهم لأسباب متداخلة، أصبحوا بلا حلفاء في محيطهم، فالصهاينة يناصبونهم العداء ويتهمونهم باللا سامية، وإيران تعتبرهم العائق الرئيسي أمام توسعهم الإقليمي الخطير.. وأكثر الدول العربية السنية لا ترتاح لمواقف أردوجان ودعمه السياسي للحركات الإسلامية، التي تلاحقها وتعمل على تصفيتها جذرياً..
وما زال الأتراك غاضبين من تواطؤ الغرب مع سفاح الشام بشار الأسد، فضلاً عن استيائهم من الانتقائية الغربية بعامة والأمريكية بخاصة في قضية الإرهاب، حيث يجري تدمير فصائل إسلامية معتدلة في سوريا محسوبة على دول عربية تشارك في الحرب على داعش، بينما يتعامى المهيّجون في الغرب عن إرهاب حزب اللات وفرق الموت الطائفية التي تشترك في ذبح السوريين وعن إرهاب الحوثي عميل طهران في اليمن!!
أمام هذه المعطيات، كان بديهياً أن يرتاب الأتراك في الأهداف الفعلية للحرب الحالية، وبعبارة أخرى: ما الذي سيحدث في اليوم التالي؟
من الجلي أن أمريكا تعمل على إعادة رسم خرائط المنطقة لـ"تصحيح" ما تسميه أخطاء سايكس بيكو من وجهة نظرها، والأشد جلاء -منذ الغزو الصليبي لأفغانستان سنة 2001م ثم العراق سنة 2003م -أن الغرب يبدّل في جغرافية المشرق الإسلامي بالتنسيق التام مع ملالي قم ولمصلحتهم التوسعية السرطانية التي لم تعد خافية.
وفي سوريا تحديداً، سيكون المستفيد من ضرب القوى الإسلامية –غلاتها ومعتدليها- هو طاغية الشام وهولاكو العصر!! فأمريكا لن تضرب جيش الطاغية الذي يهلك الحرث والنسل منذ أربع سنوات وما زال مستمراً في وحشيته.
فهل وجدت تركيا ضالتها في اشتراطها إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري، لكي تحمي المدنيين السوريين، وتحتاط لمصالحها الإستراتيجية من المكر الغربي المزمن؟