سؤال يلح بشدة على كثير من الغيورين على مستقبل الثورة السورية , فما يجري من استهداف منظم وممنهج لقادة الفصائل الإسلامية المقاتلة ضد نظام بشار , والتي يمكن وصفها بأنها الأكثر اعتدالا بين "تنظيم الدولة" الذي ظهر تطرفه وغلوه بشكل واضح , وبين بعض فصائل الجيش الحر الذي يتبع لما يسمى "بالائتلاف السوري" والذي يعتبر بأحسن حالاته مرتبطا بالغرب وبعض الدول الإقليمية الداعمة له شاء أم أبى , سواء كان ذلك الارتباط بحسن نية أو بسوء نية وطوية . لقد تم منذ أيام تنفيذ عملية استهدفت قادة حركة أحرار الشام , التي تعتبر من أكبر وأكثر الحركات الإسلامية العسكرية المقاتلة ضد نظام بشار تنظيما وقوة , واليوم يتم استهداف أبو حاتم الضحيك قائد لواء الإيمان بالله، أكبر فصائل المعارضة السورية في ريف حمص الشمالي، وأخوه محمد قائد كتيبة أنصار الحق، في هجوم صاروخ بمدينة تلبيسة . كما أصيب قائد جبهة ثوار سوريا جمال معروف مع عدد من قياداتها بإصابات خفيفة في غارة للنظام السوري استهدفت مقر الجبهة في إدلب، بينما قُتلت زوجته وثلاثة من أبنائه إضافة إلى نائبه محمد فيصل. واللافت للنظر تشابه تنفيذ هذه العمليات , فبينما تمت الأولى بعبوة ناسفة مع استخدام بعض المواد والغازات السامة – على الأرجح - أثناء اجتماع قادة الصف الأول والثاني من الحركة في مكان سري تحت الأرض , نفذت الثانية بصاروخ أطلقته طائرة حربية أثناء اجتماع في أحد مقرات اللواء بالمدينة الواقعة في ريف حمص الشمالي , ونفت الثالثة بغارة جوية استهدف مقر الجبهة في إدلب . وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار التوقيت الذي يتم فيه استهداف هؤلاء القادة , والأسلوب والطريقة الحرفية العالية التي تتم فيها تنفيذ هذه العمليات , والتي تحتاج لمعلومات استخباراتية ضخمة , ودقة وحرفية في التطبيق والتنفيذ , فإن دائرة الاتهام تتجاوز النظام و"تنظيم الدولة الإسلامية" العدوان اللدودان للفصائل السورية المعارضة , لتصل إلى دول إقليمية ودولية . أما التوقيت فهو في غاية الأهمية , حيث يبدو أن الحشد الدولي الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية , والتحالف الدولي الذي تشكله لمحاربة ما يسمى "بتنظيم الدولة" وبعض التنظيمات المقاتلة المصنفة ضمن لائحة الإرهاب "كجبهة النصرة" , قد منحها غطاء كافيا لضرب الفصائل الإسلامية الأخرى التي تقاتل ضد النظام السوري , والتي هي في الحقيقة الخطر الأكبر الذي تخشاه أمريكا والغرب , نظرا لكونها بعيدة عن الغلو الذي وقعت فيه "داعش" , كما أنها بعيدة عن التبعية والارتماء في أحضان الغرب وتنفيذ أجندته في سورية والمنطقة . ومن المعلوم أن أمثال هذه الحركات والفصائل العسكرية المعتدلة تشكل حجر عثرة أمام تنفيذ أجندة الغرب في سورية والمنطقة , أما ممارسات "داعش" وتصرفاتها فإنها تخدم سياسة أمريكا والغرب , حيث تمنحها الذريعة للتدخل العسكري لتحقيق مصالحها , وتشوه صورة الجهاد الإسلامي في المنطقة والعالم بأسره . وبينما استطاع الغرب وبعض الدول الإقليمية إخضاع بعض فصائل الجيش الحر لأوامره ورغباته , من خلال الوعود المعسولة بالحل السلمي والمفاوضات مع النظام السوري , ناهيك عن سيف التسليح والتمويل المسلط على رقبة الائتلاف السوري , لم تستطع تلك الدول السيطرة والتحكم بالفصائل الإسلامية المعتدلة في سورية , الأمر الذي جعلها أبرز وأهم أهدافه العسكرية الاستراتيجية . وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار كثرة أعداء الثورة السورية المباركة داخليا وإقليميا ودوليا , فإن احتمالات الجهة التي تستهدف هؤلاء القادة يتسع , حيث يبتدأ بالنظام السوري و"تنظيم الدولة" , ليصل إلى إيران والعراق وبعض الدول الإقليمية التي لا ترغب بانتصار هذه الفصائل الإسلامية , ولا ينتهي عند روسيا الحليف الاستراتيجي لبشار , بل يتعداه إلى أمريكا والغرب الذي قد يكون أكثر الناقمين على إنجازات هذه الفصائل على الأرض . وإذا أضفنا إلى كل ما سبق دقة وحرفية تنفيذ هذه العمليات , فإن ذلك يدفعنا لاستبعاد أن ينفرد النظام السوري أو "تنظيم الدولة" بتنفيذها , الأمر الذي يشير إلى الاحتمال الأرجح , ألا وهو اشتراك دول كبرى في تنفيذ هذه العمليات – روسيا وأمريكا والغرب – سواء من خلال تزويد النظام السوري بالمعلومات الاستخباراتية الدقيقة , أو من خلال تنفيذها المباشر لهذه العمليات . إن الذي يبدو أن التحالف الدولي الذي تحشد له الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة ما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية" , ما هو إلا قناع وستار لحرب أخرى تشن على قادة وفصائل الثورة السورية - وربما العراقية - السنية المعتدلة .