ماذا بعد استشهاد قادة أحرار الشام ؟؟
16 ذو القعدة 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

رغم أن البعض قد ينشغل الآن – وهو انشغال مشروع ومهم - بالسؤال : من استهدف قادة أحرار الشام ؟؟ إلا أن الأهم برأي الكثيرين هو : ماذا بعد هذا الاستهداف ؟ وهل ستستطيع الحركة امتصاص الصدمة الموجعة , وتجاوز الأزمة الراهنة , ومواصلة الطريق الذي بدأته في مواجهة النظام الطائفي حتى إسقاطه , والوقوف بوجه الغلاة الذين يريدون حرف الثورة عن مسارها .
أما عن السؤال الذي يلح في أذهان كثير من السوريين خصوصا والمسلمين عموما : من الذي استهدف قادة أحرار الشام ؟ فلا شك أن الإجابة عليه تبدو واضحة ولا تحتاج إلى كبير عناء في التوصل إليه , فأعداء الحركة كثر نظرا لاعتدالها من جهة , ولقوة تنظيمها وتأثيرها من جهة أخرى , وهما أمران يجعل من هذه الحركة وأمثالها في الثورة السورية المباركة , هدفا لقوى داخلية تتمثل بالنظام السوري ومليشياته و"تنظيم الدولة" , وإقليمية كإيران وغيرها من الدول التي لا يروق لها انتصار أمثال هذه الحركات الإسلامية المعتدلة – ونعني بالاعتدال هنا الوسطية الإسلامية التي لا غلو فيها ولا شطحات - , ودولية كامريكا والغرب واليهود الذين يحاربون الإسلام الحقيقي المعتدل أينما وجد , لأنه في الحقيقة عدوهم الأوحد .
ولكن الأهم من معرفة الإجابة عن السؤال السابق - حسبما يرى كثير من الغيورين على مستقبل الثورة السورية - هو : كيفية مواجهة أمثال هذه المحن والمصائب والملمات , من خلال العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , لاستنباط المنهج الواجب اتباعه في أمثال هذه الأزمات .
نعم ....إن وقع المصيبة شديد , وفقدان حركة أحرار الشام والجبهة الإسلامية بل والثورة السورية لما يقرب من حوالي 40 قائدا من الصف الأول والثاني في الحركة أمر ليس باليسير ولا بالهين , ولكن التاريخ الإسلامي مليء بالحوادث المماثلة والمشابهة , منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم , مرورا بالخلافة الراشدة والأموية والعباسية والخلافة العثمانية , والتي استطاع المسلمون خلالها تجاوز هذه الأزمات , باتباعهم لإرشادات وتوجيهات القرآن الكريم والسنة النبوية في هذا المجال .
لقد أصيب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكريم بمثل هذه الأزمة في غزوة أحد , حيث استشهد حوالي سبعين صحابيا من خيرة أصحابه صلى الله عليه وسلم , ممن يعتبرون من قادة الصف الأول , وعلى رأسهم عم النبي صلى الله عليه وسلم "حمزة بن عبد المطلب" رضي الله عنه , ناهيك عن مصعب بن عمير وسعد بن الربيع وغيرهم , فكيف كانت مواجهة هذه الأزمة الشديدة ؟
لقد نزل القرآن الكريم موجها للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام , ومبينا لهم كيف يواجهون أمثال هذه المصائب والأزمات فقال تعالى : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } آل عمران/ 139 – 140
إنها دعوة لعدم الضعف والوهن بعد أمثال هذه المصائب التي قد تزعزع الثقة بالنفس , وتأكيد على الرفعة والعلو للمؤمنين دائما على أعدائهم , وتذكير بما يصيب العدو من جراح وآلام مماثلة , وأن الأيام دول ولكن العاقبة دائما للمتقين , ناهيك عن أن استشهاد المؤمنين – الذي نعتبره مصيبة ومحنة عظيمة – هو في الحقيقة قضاء الله واختياره لزمرة من عباده الصادقين .
ولقد كانت مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأزمة والمصيبة طافحة بالدروس والعبر , فقد دفن صلى الله عليه وسلم الشهداء وتوجه إلى الله تعالى بالحمد والثناء , طالبا النصر والتوفيق منه سبحانه وحده , مؤكدا على أن التوجه إلى الله تعالى يكون في ساعة النصر والفتح , ويكون أيضا في ساعة الهزيمة والمصيبة أيضا , وهو ما ينزل السكينة والطمأنينة على النفوس , ويعلق القلوب بالله وحده , الأمر الذي يرفع المعنويات من جديد , ويبعدها عن الإحباط واليأس والاستسلام .
لم تكن هذه المصيبة هي الوحيدة التي نزلت بالمسلمين عبر تاريخهم الطويل , بل لعل مصابهم بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي هو أعظم المصائب وأشد المحن , ومع ذلك فقد تجاوز المسلمون هذه المحنة العظيمة , كما تجاوزا محنة وفاة أبي بكر ومن ثم استشهاد عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين , الأمر الذي يؤكد أن الأمة الإسلامية من أكثر الأمم قدرة على تجاوز الأزمات والمحن , بما تعلموه من كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم .
ولعل ما فعلته حركة أحرار الشام من اختيار قائد جديد للحركة هو : هاشم الشيخ "أبو جابر" بعد ساعات من استشهاد قائدها العام "حسان عبود" بالأمس , وتأكيدها على الاستمرار في طريق تحرير البلاد من طواغيت الداخل والخارج حسب وصفها , هو أكبر دليل على تجاوز الحركة للأزمة إن شاء الله , وامتصاصها للصدمة الأولى من حادث أمس الأليم .
ولكن المطلوب هو أخذ العبرة والدرس مما حدث , وتفادي الاختراق الأمني الذي حصل , من خلال تنقية الصفوف والقيام بدراسة دورية للشخصيات المريبة , والقيام بما يلزم لمنع تكرار ما حصل بالأمس مستقبلا , وذلك لضمان استمرار الحركة لتحقيق أهدافها ومطالبها المشروعة .