إن أصدق وصف ينطبق على التصريحات الأخيرة لرئيس سلطة أوسلو،هي العبارة المأثورة عن العرب القدامى: سكت دهراً ونطق كفراً..
كان عجباً أن يصمت محمود عباس في فترة العدوان الصهيوني على قطاع غزة البطل.. فدوره الوظيفي النمطي يتلخص في رفض المقاومة جملة وتفصيلاً،فكرةً وسلوكاً.. كيف لا وهو الذي افتخر بتبعيته لليهود عندما ألغى حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين،مع أنه حق تعرف به منظمة الظلم الدولية "الأمم المتحدة"؛وكذلك فعل في تعهده الذميم بعدم السماح بانطلاق انتفاضة ثالثة ما دام على رأس سلطته التي لا سلطة لها إلا قمع الشعب الفلسطيني بالتنسيق مع سيده في تل أبيب..وهل يرجى ممن يعادي انتفاضة سلمية أن يقبل بمقاومة مسلحة؟
كان جلياً للكافة أن الغيظ ينهش صدر عباس في أثناء العدوان على غزة،فقد كان متلهفاً للقضاء على المقاومة جذرياً،لكن الوقائع على الأرض خيّبت –بفضل الله- ظنونه وظنون نتنياهو وأوباما والصهاينة العرب جميعاً..ثبت أن صواريخ المقاومة ركّعت العدو وليست عبثية بحسب اللمز المفضل لدى عملاء أوسلو دائماً..
اضطر عباس إلى كظم غيظه خلال العدوان،بالرغم من أنه كان يعتبر المبادرة المصرية طوق نجاة لآماله الخبيثة.. وساءه أكثر أن عناد حماس وشقيقاتها –بمن فيهم شرفاء فتح- سدد طعنة قاتلة للمبادرة التي هلل لها العدو وإخوانه في الغي!!
الآن بعد أن مرر عباس فترة المفاوضات على مضض،يريد أن يقدم لنتياهو مجاناً ما عجز عنه بالحرب ثم بالتفاوض الشاق الذي قطعه العدو مرتين لعله يجبر المقاومة على الإذعان،من خلال تشديد حملته الوحشية على المدنيين،لأن الغزاة في الميدان أقروا بأنهم نادراً ما يرون المقاومين حتى صاروا يقولون: نحن نقاتل أشباحاً..
عباس اليوم،يختلق من وحل تبعيته البغيضة ومشروعه التصفوي، أكذوبة حكومة ظل في غزة تنهب أموال المساعدات – التي لم تأتِ أصلاً!!!-..
طبعاً،لا يقبل عباس من أحد أن يسدد في وجهه سؤالاً صاعقاً عن حكومة الوفاق الوطني التي تألفت بعد المصالحة بين حماس وفتح، فلماذا يجبرها عباس على عدم دفع رواتب الموظفين في غزة؟ فأين الوفاق وأين الحكومة؟ أم أن دور عباس ينحصر في إنهاء المقاومة مثلما كان يحلم نتنياهو فهناك تتدفق الأموال لشراء السكوت، في ضوء استغلال آلام شعب ضحى تضحيات استثنائية ليحافظ على كرامته وحق أجياله اللاحقة في أن تعيش بشرف وتكون سيدة في وطنها وصانعة لقرارها؟
ثم وقع عباس في شر نياته السيئة،عندما أبدى امتعاضه من قتل عملاء الاحتلال في غزة،متذرعاً بكلام بارد ومنطق شكلي سفيه..
فكيف يأسى للقصاص من خونة بكل الأعراف في كل زمان ومكان، لكنه في الضفة يسلم المطلوبين لجيش الاحتلال؟ أليس عباس بهذا يوفر على من يتهمونه عناء تقديم براهين وأدلة تعزز الثقة في اتهاماتهم له؟
بعبارة موازية نقول: الآن جاء دور عباس إذ يعني هجومه البائس المفاجئ على المقاومة،أن سادته الأقربين والأبعدين يسعون إلى استغلال المساعدات الملحّة لابتزاز الشعب المرابط في غزة العزة..
فلا مساعدات إلا بتسليم القطاع إلى أجهزة القمع التابعة لعباس لكي يحقق فيه على غرار مأساة الضفة المحتلة:توفير حماية أمنية فلسطينية للمحتل!!
وإن خزي أوسلو هذا ليتضاعف عندما يقدم المجرم نتنياهو في الوقت نفسه لشعبه المعتدي توسعاً استيطانياً على حساب الأرض التي يزعم عملاء أوسلو أنها من ضمن أراضي الدولة الفلسطينية الموهومة( مصادرة 4000 دونم قرب بيت لحم)، بينما يواصل عباس عمالته فلا يعنيه توسيع المستوطنات وإنما إذلال غزة كما أذل الضفة بالتعاون مع العدو الصهيوني!!
حتى إن صحيفة هآرتس الصهيونية نشرت تقريراً مؤخراً وثقت فيه مطاردة أجهزة عباس خلال العدوان على غزة لجمعيات خيرية فلسطينية في الضفة المحتلة،لأنها كانت تقدم مساعدات إنسانية لأهل غزة !!