السؤال
السلام عليكم..
كيف أتصرف مع والديَّ اللذين لا يكفان عن الخلافات؛ إذ بعد 25 سنة زواج وبعد أن كبرنا لم يكفوا عن الخلاف يوماً؛ إذ الحياة مستحيلة بينهما؛ فإرضاء أحدهم يستلزم إغضاب الآخر.. دون الحديث عن الوسائل السيئة المتبعة في هذه الحرب، بيتنا مقسم إلى أحزاب وهذا على حسب أهوائهم.. كل واحد منهما يحاول استمالتنا لصالحه ضد الآخر.. هذا دون الحديث عن حس المسؤولية المنعدم تماماً، هما أخطآ في زواجهما؛ فلِمَ أدفع أنا وإخوتي ثمن الخطأ؟! سمعتنا صارت على كل لسان، وهذا جراء صراخهما الدائم ومعاركهما التي لا تنتهي، وفي كل مرة أبي ينطق بالطلاق، مع العلم أنهما طلِّقا مرتين من قبل.. فوضى عارمة لا أدري أين نهايتها.. أنا وأختي نحمل هم البيت كله مع أننا ندرس بالجامعة.. للعلم أنا وإخوتي دارسين وعاملين طب كلنا، لكن خلافات الأولياء لا تتركنا نتقدم خطوة للأمام لست أعلم ماذا يجب أن أفعل؟! صرت لا أعرف الصح من الغلط؛ لأني لم أُرَبَّ يوماً على هذا.. نوروني.. أنا أفكر في الزواج من مسلم جديد، أي نصراني وأسلم، وأترك لهم الجمل بما حمل؛ لأن الوضع لا يحتمل.. رجاءً أنا أنتظر الرد على أحر من الجمر.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مرحباً بكِ – أختنا الفاضلة – في (موقع المسلم)
بالنسبة لما ذكرتِ – أختنا الكريمة – أحب أن أجيبكِ من خلال ما يأتي:
أولا: وفقكِ الله على حرصكِ على الخير، وإصلاح أهل بيتك، فأبشري بالذي يسرك – بإذن الله –
ثانياً: أول ما يحب أن نبدأ به هو الاجتهاد في تقوية ذاتنا بتقوية إيماننا وزيادته بالاجتهاد الصادق في طاعة الله تعالى بفضل الواجبات ولاسيما الصلاة والإكثار من الأعمال الصالحة كقراءة القرآن يومياً، وذكر الله كثيراً والمحافظة على أذكار الصباح والمساء وسماع دروس العلم النافع وحضور مجالسها – إن تيسر – لأن الإيمان خير ما يملكه الإنسان ويجعل المؤمن القوي يستطيع تحمل المصائب وأقدر على تجاوز المشاكل بكل طمأنينة وثبات.
ونعلم جميعاً أن الحياة مقرونة بالابتلاءات، فطالما الإنسان حياً فلا بد من أن يمتحن ويبتلى ليرى الله تعالى صدق إيمانه، وليكفر عن سيئاته، وليلجأ إلى الله بالمناجاة والإنابة إليه ليغيثه ويعينه. لذا يقول الله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ} [الانشقاق: 19].
فالإنسان طالما في هذه الحياة فلابد من تقلبه في هذه الأحوال؛ غنى يعقبه فقر، وصحة يعقبها مرض، الابتلاء بالهم والغم والضيق، ومضايقة الإخوة لبعضهم البعض.
ثالثاً: التواصي مع أهل بيتك عبر الحوار الهادئ الهادف، والتنبيه إلى سوء ما آلت إليه الأسرة من هذا التفكك والفوضى واللامبالاة والإهمال والتقصير في حقوق الله – تعالى – وحقوق بعضنا البعض والتذكير بأهمية الإيمان وإحسان علاقتنا بالله واتباع شرعه بصدق؛ لأن كل ما ألَمَّ بنا من متاعب ومشاكل وتخلي عن المسؤولية وتفكك هو بسبب ضعف طاعتنا وتقصيرنا، يقول الله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 123-124].
رابعاً: الاتفاق مع الأسرة على ضرورة لقاء دوري بينكم، مع التأكيد على أهمية المحافظة عليه في وقت مناسب للجميع، ولو كان يومياً لكان أفضل مثل بين المغرب والعشاء. ثم تجتهدين بالتودد إلى الجميع والتذاكر معهم حول أهمية هذا اللقاء لأنه سبب في التأليف بين القلوب وإحياء الود والحب بين أفراد الأسرة. وأيضاً يمكن الازدياد من العلم النافع عن طريقه بإعداد خاطرة حول شيء نافع في كل مرة.
خامساً: الاستعانة بأهل الحكمة من الأقارب والمعارف، للاجتماع بالوالدين ونصحهما وتنبيههما إلى خطورة وضعهما ووضع أسرتهما وتذكيرهما بمسؤوليتهما وأمانتهما أمام الله تعالى، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته".
سادساً: الاجتماع بإخوتك جميعاً وتذكيرهم بعظم حق الوالدين علينا، ومن حقهما علينا الإصلاح والتقريب بينهما وعدم الميل إلى أحدهما على حساب الآخر، بل الاستمرار على المحايدة والـتأليف بينهما، والاجتهاد في إعادة المحبة والود بينهما، ودوام تذكيرهما باللين والرفق وأن هذا من أعظم ما يحقق استقرار الأسرة.
سابعاً: أما بالنسبة لزواجك فأنصحكِ بالحرص على التزوج من المسلم العربي القوي الاستقامة على الدين، فهذا هو الأصلح لكِ، والأرجى أن يعينكِ على إقامة دينكِ وثباتكِ عليه، وليس الزواج من مسلم حديث الإسلام هو في حاجة إلى من يعلمه الدين ويعينه على الثبات عليه.
ثامناً: احرصي على الرفقة الصالحة ودروس العلم والاجتهاد في الطاعة وعمل الخير؛ فهو خير معين في الثبات على الاستقامة.
تاسعاً: أكثري من الدعاء والإنابة إلى الله تعالى أن يبصر والدكِ بما عليه من حقوق وواجبات، وأن يعينه على حسن القيام بها، وأن يجمع شمل الأسرة وأن يؤلف بينها ويجعل الحب والود والألفة بين أفرادها.
أرجو الله تعالى أن يجمع شمل أسرتك ويجعل بينكم الحب والألفة والوداد ويقر عينكِ بهم جميعاً.
والله الموفق.