أنت هنا

الحرب الفاضحة
21 رمضان 1435
موقع المسلم

ربما لم يكن يتصور الكثير أن هزل مقدمي البرامج التليفزيونية في قنوات تنطق بالعربية بحديثهم عن تمني ضرب الكيان الصهيوني لحركة حماس، أو غزو قطاع غزة، سيتحول لحقيقة، وأنهم سيقفون عند المفاضلة بين حركة إسلامية عربية فلسطينية يختلفون معها والكيان الصهيوني في صف الأخير، وأنهم في لحظة مفصلية سيتخندقون مع العدو ويظهرون ولاءهم له تحت ذرائع شتى.. لكن بكل أسف، هذا ما قد حصل في الأيام الأخيرة منذ بدء العدوان الصهيوني الغاشم على غزة في رمضان الحالي.

ظلت الشعوب الإسلامية والعربية تشكو مِراراً ومَراراً من تخاذل حكوماتها، لكن لم يدر بخلدها أنها سترى مواقف بعض الدول تصطف إلى جانب العدو، مفضلة إياه على أبناء جلدتها.. لكن هذا هو عين ما قد حدث!

أقلام وتغريدات في الصحف ومواقع التواصل، وكلمات في فضائيات، طفحت فجأة بمياه المكبات والأوساخ، تنشر عفنها؛ حيث تمنى أصحابها لأول مرة في تاريخنا أن يدك العدو ديارنا ويقتل أبناءنا دون مواربة أو استحياء..

 

مصيبة..
لكنها كانت متوقعة! فمن يمد خطوط الذل والركوع والخنوع، على استقامتها لابد أنها كانت لتصل إلى نقطة الخيانة والعمالة المباشرة.. غاية ما في الأمر أن كثيرين ممن يسيئون الظن ـ على حق ـ بنخبة خائنة لقيمها وثوابتها وأوطانها وشعوبها، لم يتصوروا أن تنتقل لغة الخطاب من المواربة إلى المصارحة، ومن المداراة إلى الاستعلان بمخبوئات النفوس السقيمة.. بيد أن قلة بالطبع كانت تتوقع هذا التبجح أيضاً في هذه اللحظة؛ فحيث تأتي "ساعة العسرة" لا يثبت عندها إلا المخلصون، ويتساقط عندها كل منافق، يجدها فرصة سانحة لإخراج مخبوء نفسه المريضة، ظناً أنها ساعة الانتصار والتفوق لعقيدته المستترة؛ فيخرجها ولو على استحياء، مثلما كان قدامى المنافقين يفعلون..

 

خَلَف المنافقين اليوم أكثر جرأة من أجدادهم؛ فلقد كان عهدهم بالماضي أنهم "يحذَرون".. أما اليوم فهم يتبجحون.. ( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون ).. وهم إذ يستعلنون حالئذ لا يصيرون منافقين، بل جنوداً مخلصين في معسكر الأعداء.. هم من فعلوا ذلك بذوات أنفسهم حين يدعون علانية العدو لقتل أبناء ديننا وقومنا، تحت لافتات خادعة من الحرص والإشفاق!

 

أيهما كان أفضل؟ أن يظلوا مختبئين خلف الشعارات المائعة أم يكشفون اللثام عن وجوههم المعادية لهوية قومهم وأخلاق شعوبهم؟! مهما يكن، لقد كان قدر الله أن يبدأ تمايز الصفوف الآن، ويتحدث الجميع بلغة قلبه؛ فهذا هنا وذاك هناك.. إنها مرحلة اختفاء اللون الرمادي، وتراجع أنصاف الحلول.

 

هذا سمت المرحلة الحالية.. في أكثر من بلد ظهر هذا التمايز، ولكنه اليوم الأكثر وضوحاً؛ فالمسألة هنا تتجاوز صراع الهوية في داخل البلدان المسلمة، وإنما في خندق احتلال، وخندق مقاومة بكل تنوعاتها الإسلامية والوطنية.. ولقد آثر بعض بني جلدتنا أن يكونوا في صف اليهود.. لم يجبرهم أحد على هذا.. هم وقعوا بأنفسهم بأسمائهم الحقيقية التي كانوا يخفونها.. شمعون.. مناحم.. ديفيد.. كوهين!!