هل هذا هو جزاء العدوان على غزة ؟
17 رمضان 1435
تقرير إخباري ـ المسلم

يبدو أن الدول العربية تسير من سيء إلى أسوأ فيما يتعلق بردود أفعالها تجاه اعتداءات اليهود على الفلسطينيين عامة وعلى قطاع غزة بشكل خاص , فبينما كانت في الماضي تزيد على التنديد وعبارات الاستنكار بشيء من الضغط على الدول الفاعلة لوقف العدوان أو تخفيف حدته وتقصير مدته على الأقل , أضحت تكتفي بعد مدة من الزمن - ليست بالبعيدة - بالتنديد والاستنكار فحسب , لتصل اليوم إلى مرحلة تأييد العدوان وربما المشاركة فيه ماديا ومعنويا , بل وتقديم المنح والجوائز لليهود على جريمتهم وفعلتهم النكراء . ومن يتابع ردود الأفعال العربية إزاء العدوان الأخير على غزة يمكنه دون عناء ملاحظة هذا الأمر , فحتى التنديد بالعدوان كان محدودا وضعيفا , بل ومقرونا بوقف الاعتداء والعنف من الجانبين , في إشارة إلى مساواة ما تقوم به المقاومة من حق الدفاع عن النفس , بما تفعله "إسرائيل" من هجوم وحشي سافر على المدنيين والمحاصرين منذ سنوات . بل إن الأمر يزداد سوءا إذا طالعنا بعض الصحف الغربية التي تتحدث عن ارتياح وعدم استياء بعض الدول العربية من هذا العدوان , ما دام أنه يطال حركة المقاومة الإسلامية "حماس" , وكأن غزة أو فلسطين هي ملك لحماس فحسب وليس فيها مسلمون فلسطينيون يكابدون آثار ونتائج العدوان اليهودي المتكرر عليهم !! ويأتي خبر قرار وزير الشؤون الدينية والأوقاف بالجزائر ليزيد من دهشة واستهجان الشعوب العربية والإسلامية , إزاء ردود فعل بعض الحكومات والأنظمة العربية والإسلامية تجاه ما يحدث في غزة , والتي تنحدر نحو مزيد من التنازل عن الثوابت والمقدسات , مما يثير تساؤل الكثير من المسلمين : هل هذا هو جزاء العداون "الإسرائيلي" على غزة ؟! لقد تضمن قرار وزير الشؤون الدينية والأوقاف بالجزائر إعادة فتح المعابد اليهودية التي أغلقت في التسعينيات بسبب الأزمة الأمنية , حيث أعلن وزير الشؤون الدينية "محمد بن عيسى" : أن وزارته تحضر قانونا جديدا سيعرض على البرلمان وتتم بموجبه إعادة فتح المعابد اليهودية والكنائس التي أغلقت في تسعينيات القرن الماضي . وما يثير الدهشة في هذا القرار أنه جاء متزامنا مع استمرار العدوان اليهودي على إخوتنا في قطاع غزة , مما يعني الإخلال بأبسط قواعد الدبلوماسية والسياسة التي تقتضي مراعاة ظروف المرحلة التي تمر بها غزة - فضلا عن مراعاة حقوق الإخوة والدين - وعدم إعلان هذا القرار في الوقت الراهن . ومع الوقت غير المناسب أبدا لمثل إصدار وإعلان هذا القرار , ومع أن عدد اليهود في الجزائر ضئيل جدا جدا , حيث لا يتعدى عدد غير المسلمين في الجزائر "عشرة آلاف شخص" حسب وزارة الشؤون الدينية والأوقاف , مما يعني أن اليهود لا يشكلون أي نسبة أو عدد ذي وزن أو قيمة في البلاد . ومع أن عدد المعابد اليهودية في الجزائر لا تصل إلى 25 معبدا حسب المؤرخ اليهودي "إييم سعدون" - وهو عدد مبالغ فيه بالنسبة لعدد اليهود الضئيل للغاية – ومع أن أحدا لم يتقدم بطلب لإعادة فتح هذه المعابد اليهودية المزعومة حسب رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية الإسلامي عبد الله جاب الله . إلا أن قرار الوزير قد صدر و أعلن , فماذا يمكن أن تكون ردة فعل الشعب الجزائري الذي يعتبر من أكثر الشعوب العربية كراهية للكيان الصهيوني الذي يسمى "إسرائيل" , والذي يرى إخوة له في غزة يقتلون بنيران وقذائف الطيران اليهودي بالتزامن مع صدور قرار إعادة فتح المعابد اليهودية في بلادهم ؟؟ لا شك أن التظاهر والاحتجاج هو ردة فعل طبيعية للمسلمين في الجزائر تجاه أمثال هذا القرار , كما أنه أقل ما يمكن أن يفعلوه تضامنا مع إخوانهم في غزة , وضمن هذا الإطار نظمت جبهة الصحوة السلفية وقفة احتجاجية أمام مسجد المؤمنين بحي "بلوزداد" وسط العاصمة الجزائر، رفع خلالها المشاركون شعارات منددة بقرار الوزير وبالعدوان الآثم على غزة . إن قرار الوزير يمس بلا شك مشاعر المسلمين وهم في شهر الصيام , بالإضافة لكون مذهب الإمام مالك – وهو المذهب الفقهي المعتمد رسميا في الجزائر وغيرها من دول المغرب العربي - لا يجيز بناء المعابد لليهود أو الكنائس للنصارى في بلاد المسلمين" كما يقول رئيس الجبهة عبد الفتاح رزاوي حمداش , ناهيك عن كون إعادة فتح المعابد اليهودية لا يستقيم شرعا لكونها بنيت خلال حقبة الاستعمار الفرنسي . وأورد هنا ما وجدته من كلام القرطبي المتعلق بفتوى الإمام مالك في بناء معابد وكنائس النصارى , وقد جاء ذلك في معرض تفسيره لقوله تعالى : { ....وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا...} الحج/40 حيث نقل عن بن خُوَيْزِ مَنْدَادَ قوله : تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْمَنْعَ مِنْ هَدْمِ كَنَائِسِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبِيَعِهِمْ وَبُيُوتِ نِيرَانِهِمْ ، وَلَا يُتْرَكُونَ أَنْ يُحْدِثُوا مَا لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَزِيدُونَ فِي الْبُنْيَانِ لَا سَعَةً وَلَا ارْتِفَاعًا ، وَمَتَى أَحْدَثُوا زِيَادَةً وَجَبَ نَقْضُهَا , وَيُنْقَضُ مَا وُجِدَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ مِنَ البيع والكنائس. وإنما لم ينقض مَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ، لِأَنَّهَا جَرَتْ مَجْرَى بُيُوتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمُ الَّتِي عَاهَدُوا عَلَيْهَا فِي الصِّيَانَةِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمَكَّنُوا مِنَ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِظْهَارَ أَسْبَابِ الْكُفْرِ. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12/71 ومع تأكيد المستشار الإعلامي السابق لوزير الشؤون الدينية "عدة فلاحي" أن هذا القرار يتعارض مع قناعات الوزير الشخصية , وأنه فُرض عليه من جهات عليا في الدولة , فإن ذلك يزيد من تساؤل الشعوب العربية والإسلامية عن مدى نفوذ وسلطة الدولة العميقة في الدول العربية والإسلامية .