حرب من نوع آخر على غزة
15 رمضان 1435
د. عامر الهوشان

لا يقتصر العدوان الذي يشنه الصهاينة على غزة على الجانب العسكري فحسب , بل يشمل أيضا الجانب الإعلامي , مما بات يعرف بالحرب النفسية التي تسبق المعارك والحروب وترافقها , بل وتستمر حتى بعد انتهاء الحرب والمعركة . لقد أدرك الغرب – وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية – منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أهمية الإعلام والاتصال في تغيير الأفكار والتأثير على العواطف والعقول , ناهيك عن أثرها الفعال في المعارك والحروب , فعمدت إلى بناء منظومة إعلامية ضخمة , بإمكانيات وقدرات هائلة , بينما غفل المسلمون عن هذا السلاح الفتاك , ولم يدركوا أهميته وتأثيره إلا متأخرين . إن توظيف الإعلام في الحروب والمعارك يستهدف التأثير على مستويين اثنين : داخلي وخارجي , أما الداخلي فمحله أرض المعركة ومحيطها , ويتم ذلك من خلال رفع الإعلام لمعنويات جنوده ومقاتليه , وبث الخوف والرعب والفزع في نفوس خصومه وأعدائه , بينما يستهدف الإعلام خارجيا كسب عقول الناس وحشد الرأي العام حول عدالة قضيته وبطلان قضية خصمه وعدوه . ولا شك أن الإعلام – وعلى وجه الخصوص الغربي منه - يستخدم في فترة الحرب جميع أساليب المبالغة والتضليل والكذب والخداع - فالحرب خدعة كما هو معلوم - لتقديم الصورة السلبية عن العدو , وأنه هو المعتدي والجاني , وتقديم الصورة الإيجابية عن نفسه بأنه الضحية والمدافع عن نفسه فحسب . ولعل هذا ما تحاول "إسرائيل" القيام به في حربها وعدوانها على قطاع غزة المستمر منذ ستة أيام , حيث تبث دعاية إعلامية داخلية لمواطنيها عن تجاوزات المقاومة الإسلامية "حماس" المزعومة , وعن وجوب تأديبها كإجراء لا بد منه لحفظ وحماية أمنها وأمن مواطنيها , ناهيك عن تصوير نفسها دوما – دوليا – بأنها الضحية والمدافع عن نفسها فحسب , في مواجهة صواريخ المقاومة الإسلامية "حماس" , التي تصوره سلاحا فتاكا بل ويقترب من كونه نوويا إذا لزم الأمر !! لقد غاظ الاحتلال "الإسرائيلي" أن يرى الجبهة الداخلية في قطاع غزة متماسكة وقوية ، في الوقت الذي يهرع فيه المستوطنون إلى الملاجئ ويلتزمون المنازل خوفا و رعبا من ضربات صواريخ المقاومة , فحاول استخدام حربه النفسية على أهالي القطاع , من خلال بثّ رسائل صوتية على الهواتف الثابتة والمتنقلة لسكان المناطق المحاذية للشريط الحدودي شرق القطاع ، طالبا منهم مغادرة منازلهم واتخاذ دروب معينة للوصول إلى مراكز المدن غرب القطاع , إلا أن ذلك لم يفلح في بث الفوضى والخوف في نفوس الفلسطينيين كما هو الحال عند اليهود , حيث أفشل صمود الغزاويين مكر ومحاولات اليهود اليائسة . وإذا كانت وسائل إعلام العدو الصهيوني قاصرة عن تغطية الحرب النفسية المطلوبة في فترة عدوانها على غزة أو غيرها , فإن معظم وسائل الإعلام الأميركية كفيلة بإتمام مهمة الحرب الإعلامية المكملة للحرب العسكرية الصهيونية . لقد بدت تغطية معظم وسائل الإعلام الأمريكية مطابقة للموقف الرسمي الذي يعتبر القصف الإسرائيلي لغزة من قبيل الدفاع عن النفس , بينما ركزت التغطية على الصواريخ المنطلقة من غزة , وتغاضت عن سيل الصواريخ الإسرائيلية المنهمرة على مئات المواقع الفلسطينية ، والتي أودت بحياة أكثر من 100 شهيد ونحو ألف جريح حتى الآن . ومن عادة وسائل الإعلام الأمريكية والغربية عموما , أن تساوي بين الضحية والجلاد , بل وتساوي بين القدرة "الإسرائيلية" العسكرية وقدرة المقاومة ، و وصل التزوير والكذب بوسائل الإعلام الأمريكية إلى حد تصوير إحدى شبكات التلفزيون الأميركي مدنيين فلسطينيين مذعورين على أنهم "إسرائيليون" !! وارتكبت شبكة "أي.بي.سي" الأميركية كذبا مماثلا حين بثت في ساعات ذروة المشاهدة ، مشاهد لعائلة فلسطينية متضررة من القصف وزعمت بأنها عائلة "إسرائيلية" !! لقد امتهنت معظم وسائل الإعلام الأميركية التضليل وتزوير الحقائق و تشويه الواقع ، فبينما تسلط الضوء على ذعر "الإسرائيليين" من مجرد انطلاق صافرات الإنذار, تهمل عن عمد ما ينجم عن سيل الصواريخ "الإسرائيلية" التي سقطت على قطاع غزة , من إزهاق لأرواح الأطفال والنساء والشيوخ , والدمار الهائل في البيوت والبنى التحتية . وعلى الرغم من عدم وقوف المقاومة موقف المتفرج على الحرب الإعلامية والنفسية التي تشنها "إسرائيل" عليها , حيث استطاعت رسائل كتائب القسام والمقاومة أن تصل إلى معقل الإعلام "الاسرائيلي" بوسائله المختلفة ، بل ونجحت في التشويش عليه واختراق حسابات إلكترونية لشخصيات سياسية وحكومية وإعلامية , إلا أن ذلك لا يقارن بما تقوم به "إسرائيل" وأمريكا من تضليل إعلامي غير مسبوق بشأن عدوان اليهود على غزة . لقد حذرت رسائل المقاومة - التي وصلت إلى الجمهور اليهودي - من ردة فعل المقاومة مما يجري من تصعيد "إسرائيلي" على غزة , ولا يخفى ما لذلك من أثر نفسي سلبي على اليهود بشكل عام , حيث حذر جهاز الأمن العام الصهيوني (الشاباك) الجمهور الصهيوني من الهاكرز الفلسطيني الذي اخترق بعض المواقع الرسمية والإعلامية . فإذا كان بعض الهاكرز الفلسطينيين قد استطاعوا اختراق كثير من المواقع الرسمية والإعلامية الصهيونية , وإيجاد نوع من الحرب النفسية والإعلامية المضادة , فكيف إذا كان هناك دعم عربي إسلامي إعلامي للقضية الفلسطينية ؟!!