
عندما تضع ماءً في إناء زجاجي ثم تضعه على النار لفترة طويلة فالماء يغلي بشدة حتى ينفجر الإناء من شدة الضغط هذه المشاهدة الطبيعية البسيطة التي يلحظها جميع الناس تغيب عن بعض الدول والسياسيين في مناطق عديدة في العالم مما جعلها كالبراكين تهمد حينا وتتفجر أحيانا...
حالة الغضب التي عمت العالم العربي قبيل الثوارات التي سميت الربيع العربي كانت حالة مشروعة من شعوب قاست بقوة من الظلم والاضطهاد والتهميش ولأنها كانت صابرة وخائفة وعاجزة عن الحركة ظن البعض أنه مهما اشتد غليانها فالإناء كفيل بالحفاظ على هدوئها وعدم الانفجار وهو أمر ضد الطبيعة, والمقصود بالإناء هنا هو القمع الأمني الذي تمارسه السلطات الدكتاتورية المستبدة على شعوبها والتي تظن أنه سيلجمها للأبد عن المطالبة المشروعة بحقوقها....التهميش والظلم قد يتم على أساس طبقي أو ديني أو مجتمعي أو سياسي فمثلا في بعض البلدان يتم تهميش طائفة معينة من الشعب مثل السنة في إيران منذ حكم الخميني والعراق حاليا أو تهميش جماعة معينة للاختلاف الفكري معها, وقد يتم التهميش على أساس عرقي مثل تهميش السود في بعض البلدان مثلما كان يجري في أمريكا وجنوب أفريقيا أو على أساس طبقي مثل تهميش الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة ومنعهم من الترقي وتولي المناصب العليا, وهناك تهميش على أساس قبلي مثل منع المنتمين لقبيلة أو منطقة معينة في البلاد من حقوقهم المشروعة ....
هذا التهميش والاضطهاد مع استمراره لعقود دون أن يتم التوصل لحلول جذرية له والاكتفاء بفرض الأمر الواقع على أصحابه وتجاهل مطالبهم واستخدام القبضة الأمنية يؤدي إلى غليان ثم انفجارات لا يحمد عقباها...عندما انتشرت الجماعات الدينية والسياسية التي تتبنى العنف تركز التفكير عن الأسباب الفكرية والمعالجات الأمنية ولكن لم يتم التركيز على الأسباب الاجتماعية والسياسية وراء هذه الظاهرة وهي ظاهرة لا تقتصر فقط على الجماعات الإسلامية ولكن تتجاوزها لجماعات يسارية وشيوعية انتشرت بقوة في القرن الميلادي الماضي ومارست العنف بشدة..لم يتساءل أحد عن الظلم والتهميش الذي تعيشه الكثير من المجتمعات والفئات والمطالب المشروعة التي تحملها دون أن تجد من يلبيها..
نعم حدثت انحرافات فكرية وعقائدية ولكن هل يمكن تلخيص القضية في هذه الانحرافات وحسب أم أن القضية أعم من ذلك وأشمل وتتعلق بالعدالة ومنح الإنسان حقه الطبيعي في المعيشة الكريمة...
عندما اندلعت أحداث العراق الأخيرة وانتفض أهل السنة على مماراسات حكومة المالكي الطائفية وجدنا الكثيرين يعيدون الكرة ويركزون على ما روجه المالكي عن "الإرهاب والتطرف" ولم يأبهوا لما يعانيه أهل السنة من مظالم ونكبات منذ الغزو الأمريكي...
العجيب أن المالكي عندما وجهت إليه ملحوظات حول هذا الموضوع من السعودية وغيرها سارع باتهام من يوجهه بأنه يدعم "الإرهاب" ويريد زعزعة استقرار العراق, إذن القضية أكبر من سياسي غافل أو نظام أبله ولكنها حالة من العمى الكامل والغياب عن الوعي حيث ترى المقدمات أمامك تكبر يوما بعد يوم دون أن تنتبه أو تشعر بالبركان القادم...وما يجري ليس قاصرا على المنطقة العربية فقط أو على المسلمين وحسب فنحن نرى غليانا منذ سنوات في تايلاند و بنجلاديش وباكستان وأندونيسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة المسلمة وغير المسلمة..
نرى الآن في بعض البلدان تهميشا لفئات وجماعات معتدلة تتبرأ كل يوم وكل ساعة من العنف ولكن يتم إلصاق اتهامات "الإرهاب والتطرف" قصرا بها من أجل أطماع سياسية ويستعان على ذلك بإعلام رديء كاذب يلبس الباطل لبوس الحق من أجل مصالح أصحاب الأموال التي تقف وراءه.. فماذا يتوقع بعد هذا الضغط؟! وما هو المراد من هذا؟! من الذي يريد للغليان في العالم أن يتحول لقنابل موقوتة ينفجر فلا يفرق بين ظالم ومظلوم؟! ما يجري في العراق وغيرها رسائل بسيطة ولكن هل من عاقل يتدبر؟!