
يبدو أن الحملة الشرسة على كل قوة سنية معتدلة - حقيقة وليس بالمفهوم الأمريكي - في المنطقة تجري على قدم وساق , وعلى كل المسارات والأماكن أملا في القضاء عليها أو إخضاعها دفعة واحدة , سواء في الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا , أو في غزة تحديدا عبر محاولة إخضاع المقاومة الإسلامية "حماس" وتركيعها . لقد كان التمهيد لهذه الغاية واضحا منذ الحملة الإعلامية الشرسة على "حماس" بعد أحداث 3 من يوليو الماضي في مصر , ورغم محاولة الحركة جاهدة نفي التهم التي كانت تساق بالعشرات عليها في ذلك الإعلام وما تزال , إلا أن ذلك لم يجد نفعا في إيقاف المحاولة الأكثر شراسة للنيل من سمعة الحركة والتشكيك بمقاومتها ومواقفها الوطنية والعربية , تمهيدا لإسقاطها أو إخضاعها على أقل تقدير . لقد كان واضحا منذ بداية هذه الحملة الإعلامية أن أي تصرف أو سلوك سياسي تقوم به حركة حماس سيصار إلى تشويهه وإخراجه عن سياقه , فحين كان الخلاف والفرقة مستمرا بين فتح وحماس كان الجميع ينادي بوجوب المصالحة , ويلقي باللائمة على "حماس" وكأنها السبب الوحيد في تعطيلها , فلما تم التوقيع على المصالحة وانتشر خبرها , لم تسلم "حماس من سهام التشكيك بنيتها وأهدافها من هذه المصالحة . وكذلك كان الوضع في موقف الحركة مما جرى ويجري في سورية , فعلى الرغم من موقف الحركة المبدئي من الأحداث الدامية هناك , وتفضيلها الحياد فيما يخص المواجهة المسلحة منذ البداية , مع إعلانها في كل مناسبة عن تأييدها لمطالب الشعب السوري المشروعة - وما جر عليها هذا الموقف من خسارة كثير من الدعم المادي والمعنوي لها - إلا أنها مع ذلك لم تسلم من محاولات التشكيك بموقفها ومحاولة تشويهه عبر أشكال الفبركة الإعلامية التي باتت كثيرة ومنتشرة في هذا العصر . وفي هذا الإطار كانت محاولة وكالة فارس الإيرانية , والتي نسبت الى رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية "حماس" خالد مشعل ما لم يقله خلال لقاء جمعه بمساعد وزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبد اللهيان" مساء الأربعاء الماضي (21/5) في الدوحة . فقد نسبت الوكالة "لمشعل" إشادته بالقيادة السورية ودعمها للمقاومة الفلسطينية , بالإضافة إلى الإشادة بدور إيران في الأزمة السورية , وتأكيده ضرورة اعتماد الحل السياسي للأزمة من أجل إيقاف نزيف الدم الذي لا يستفيد منه إلا "إسرائيل" . لينتشر هذا الخبر والتصريح المفبرك بعد ذلك انتشار النار في الهشيم , ولتتلقفه وسائل الإعلام المختلفة تلقف الباحث عن ضالته وبغيته , وعلى رأسها وسائل إعلام الكيان الصهيوني "موقع ديبكا" , الذي لم يكتف بالفبركة والإقحام الذي تم على لسان "خالد مشعل" , بل زاد على ذلك بأكذوبة من العيار الثقيل , حيث زعم أن الصفقة تضمنت دعما إيرانيا ماليا كبيرا (200 مليون دولار كتعويض سنوي) , بالإضافة للدعم العسكري لحركة حماس , في مقابل عودة الأخيرة الكامل إلى حضن إيران ومحورها . وفي ضوء ما تقدم اضطرت حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" إلى إصدار بيان أمس توضح فيه اللبس الذي حصل , وتعقب على ما ذهبت إليه بعض وسائل الإعلام من تحريف بعض ما تمَّ في ذلك اللقاء ، وما نسب من مواقف على لسان "مشعل" , من إقحام وفبركة عبارات على لسانه لم ترد في اللقاء ولا أساس لها من الصحة . وقد أوضح مصدر مسؤول في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حقيقة ما جرى في اللقاء , مؤكدا أن أجواء إيجابية قد سادته , وأن التباحث فيه تناول النقاط التالية : 1- آخر تطوّرات القضية الفلسطينية ، وعلى رأسها المصالحة الوطنية الفلسطينية وأهميتها وضرورة إنجاحها واستمرارها، وحشد طاقات الأمّة لمواجهة العدو الصهيوني . 2- تأكيد "مشعل" على رؤية الحركة وموقفها تجاه الأوضاع في المنطقة، وأنّها تنأى بنفسها عن لعبة المحاور، مشدّداً حرص الحركة على وحدة الأمّة وتكاملها، وضرورة تجنّب الاستقطابات العرقية والطائفية والمذهبية , و ضرورة معالجة الأزمات الجارية ببعض البلدان العربية بحلول سياسية تتراضاها الشعوب وتحقّق تطلّعاتها في الحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الكريمة . 3- احترام الحركة لخصوصيات الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ، وهي إذ تشكر كلّ من دعم المقاومة وساندها، فإنها تتمنّى الخير لشعوب الأمَّة التوّاقة للحرية . 4- تشديد "مشعل" على استمرار حماس على نهج المقاومة , وعدم التوقف إلاّ بتحرير فلسطين. 5- نفي صحة ما تمَّ إقحامه أو فبركته على لسان الأخ المجاهد "خالد مشعل" وتناقلته بعض الوسائل الإعلامية , والتأكيد على أنه لا أساس له من الصحة، ولن يشوش على حركة حماس ومواقفها الأصيلة المعروفة . إن الحقيقة التي لا بد أن يعيها الجميع في هذه المرحلة , أن الإعلام المشبوه لن يتوقف أبدا عن محاولة تشويه صورة ما تبقى من ركائز المقاومة السنية في المنطقة , وأن الحذر والحيطة لا بد أن يكون سيد الموقف في كل كلمة أو تصريح يدلي به أي زعيم أو مسؤول سياسي فيها , فالأعداء كثر والمعركة مصيرية .