أنت هنا

الجريمة الانقلابية في ليبيا
21 رجب 1435
موقع المسلم

الصورة كانت ضبابية لكثيرين عن ليبيا مع كثرة أسماء الكتائب الثورية، والميليشيات المتدثرة بالثورة، لكنها الآن صارت واضحة تماماً لكل ذي عينين؛ فالقاعدة العامة التي يسير عليها الاحتلال الغربي غير المباشر لبلادنا الإسلامية لا تكاد العين تخطئها مع كثرة تكرارها لكن للأسف؛ فإن قطاعات شعبية تظل رهينة الخداع المستمر حتى تفيق على واقع مؤلم حزين، كهذا الذي يعد لليبيا ما لم يتداركهم الله برحمة ويهيئ لبلاد عمر المختار من يدفع عنها شر الاحتلال وصنائعه.

والقاعدة المتبعة في كثير من بلاد المسلمين هي ضرورة تشكيل الغرب لقوى عسكرية تحل محل الجيش حال حلها، كما في العراق ما بعد صدام، وكما في حالة التشكيلات التابعة لها في سوريا الآن، وكذلك كان هو الحال في ليبيا، ليسهل استمرار وضع التبعية الخانعة للقوى العسكرية التقليدية التي كانت قائمة قبل الحروب أو الثورات أو التغييرات السياسية والعسكرية؛ فعند تفكك الجيوش إثر حرب احتلال كالعراق أو ثورة كسوريا، تسرع القوى الغربية في إنشاء ميليشيات تابعة لها، يتم تطويرها على الفور لتهيأ للحلول محل الجيش النظامي وبناء القوى العسكرية الجديدة، وقد توكل مهمة تدريب هذه الميليشيات وتجهيزها في المستوى الميداني إلى قوى إقليمية موالية كما في حالة السلطة الفلسطينية.

هذا بعينه ما قام به الغرب مع حفتر، وميليشياته المسماة بالجيش الوطني لزراعتها محل كتائب الثورة الحقيقية التي أطاحت بنظام القذافي، وسوف لن يتوانى الغرب في دعم انقلابها على الشرعية في ليبيا مهما كان الثمن باهظاً من الدم الليبي، ومهما عمت الفوضى، أو استشرت الجريمة، وحل الفقر وانعدم الاستقرار.

وإذا كانت الغلبة حتى الآن للقوى الإسلامية والوطنية في ليبيا؛ فإن قوى الرجعية التي لا تبغي خيراً لليبيا، وتعمل على منع الشعب الليبي من بناء مؤسساته السياسية بطرق ديمقراطية ستظل عازمة على إيقاف مسارات الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية والمحلية في ليبيا، مثلما نجحت في دول أخرى في منع بناء المؤسسات وفقاً لما تريده الشعوب، لا ما يرتضيه الغرب لتلك الشعوب، بما يضمن له استمرار تبعية الأنظمة له، ولن يوقف عزمها وتقدمها بعد الله إلا وعي الشعب الليبي وصموده للحفاظ على المكتسبات التي حققها بعد أربعين عاماً من قهر القذافي ونظامه المجنون!

وما يبدو أنه سيحصل مستقبلاً في ليبيا هو عزم كلا الطرفين على المضي قدماً في الطريق حتى نهايته؛ فالكتائب المخلصة ستظل ماضية في صمودها وعملها على إمضاء الاستحقاقات الانتخابية وإصدار دستور ليبيا الحرة، والقوى الميليشياوية الموالية لنظام القذافي (والتي حيتها عائشة القذافي بالمناسبة، وتوقعت معها عودة نظامه، حيث "اللحظة التي كانت تنتظرها" مثلما قالت!)، ستواصل انقلاباً فاشلاً تلو انقلاب حتى يتسنى لها وقف تلك المسارات الديمقراطية بدعوى "إنقاذ ليبيا" من الفوضى أو الإرهاب أو أي مسمى آخر يتخذه الاستبداد لمنع الشعوب من التحرر والانعتاق من التبعية والخنوع..

وستزداد الأمور سخونة في الأيام القادمة، لاسيما أنه لم يعد يتبقى على الانتخابات البرلمانية سوى شهر واحد فقط (لو كان الانقلابيون مخلصين حقيقة لانتظروه ليثبتوا جدارتهم عبر صندوق الانتخاب لا صندوق الذخيرة!).