أنت هنا

حماس وفتح.. ملابسات "المصالحة"
25 جمادى الثانية 1435
موقع المسلم

كان رد الفعل الصادر من تل أبيب وواشنطن على اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي أبرمته حركتا حماس وفتح صريحاً جداً، ولم يدع لأيٍ كان شكاً في مكنون السياستين الصهيونية والأمريكية؛ فلقد أعلنها رئيس الحكومة الصهيونية في بيان صادر عن مكتبه واضحة بلا مواربة بأن الرئيس عباس "اختار حماس وليس السلام، ومن يختار حماس لا يريد السلام".، ومن جهتها، أعربت الولايات المتحدة عن خيبة أملها إزاء المصالحة، معتبرة أنها "قد تؤدي إلى تعقيد مساعي السلام مع إسرائيل بدرجة كبيرة"!

ورد الفعل هذا، وإن كان ليس مستغرباً من كيانين قاما على اغتصاب أوطان لشعوب أخرى، وإن جاء كاشفاً لكل ادعاءات واشنطن ـ على الأقل ـ حيال رعايتها لجهود المصالحة في كثير من بلدان العالم بغية تحقيق مصالحها في ضمان تبعية دول مضطربة لها، وفاضحاً لضمير "استعماري" بغيض لا يعيش إلا في أجواء الفوضى والانقسام والتشظي، إلا أنه بشكل عملي أوضح تقديراً وقراءة صهيوأمريكية عميقة لظروف وملابسات هذا الاتفاق؛ فغني عن البيان أن هذا الاتفاق هو واحد من آحاد، وربما عشرات، أخرى من اتفاقات وتفاهمات المصالحة لم يكتب لها الصمود والحياة لمدد طويلة، لربما وئدت أحياناً بعد أيام قلائل من إبرامها، لذا كانت ردات الفعل المتتابعة والمنزعجة القادمة من الولايات المتحدة و"إسرائيل" ناجمة عن تقدير موقف يخلص إلى أن هذا الاتفاق قادر على الصمود طويلاً وإنتاج حكومة وحدة وطنية مثلما ينص، وإنهاء سنوات من الانقسام الفلسطيني، وكذلك؛ فإن في مضمون هذه القراءة أن الاتفاق يحقق قدراً من التوازن السياسي بين الكتلتين الكبيرتين في المجتمع الفلسطيني بحيث لم يحصل تحت سيف الغلبة والهيمنة مثلما كان لبعض التفاهمات التي وقعتها حماس تحت ضغط الحاجة للخروج من الأزمة أو الهروب إلى الأمام فراراً من استحقاقات لحظة مؤلمة.

على أنه، وإن لم يكن كذلك؛ فإنه واقع تحت تأثير ظروف إقليمية ودولية تحتم على الطرفين التنازل والسعي نحو الالتقاء في منتصف الطريق، على نحو لا يطغى فيه أحدهما على الآخر. وهذه الظروف تضغط بشكل متوازٍ على حماس مثلما يضغط غيرها على فتح.

فأما حماس؛ فإنها تجد نفسها مضطرة لعقد اتفاق لأكثر من سبب، منها ما يتعلق بوجودها، ومنها ما يتعلق بمشروعها، وكلاهما متلازم مع الآخر، فانهيار علاقتها مع النظام السوري بسبب مجازره، وتردي علاقتها بإيران، وتراجعها مع مصر قد أثرت جميعها بشكل مباشر على قدرتها على إدارتها لقطاع غزة، إن بقلة الوارد إلى القطاع، أو بسبب الحصار المفروض عليه، كما أن الظرف الإقليمي لم يعد في صالحها لاسيما مع ارتباطها الفكري بجماعة الإخوان المسلمين التي لا تتمتع بعلاقات طيبة مع دول الإقليم، كذلك؛ فإن مشروعها المقاوم شبه مجمد مع غل يدها عن العمل في الضفة الغربية، ذات التأثير الاستراتيجي الأعلى في القضية الفلسطينية، ويضاف إلى هذا، بل يتصدره، عجزها عن مناهضة مخططات تهويد القدس، وربما هدم الأقصى إثر سلسلة متنامية من الاقتحامات الصهيونية له.

أما فتح؛ فإن خطها الرئيس مهدد من قبل شبكة محمد دحلان، ونفوذ رئيسها محمود عباس كذلك، مع إشارات بدت قوية في الفترة الماضية بتفضيل الغرب وبعض دول المنطقة العربية له كبديل لأبي مازن، كذلك؛ فإن إدارة المنظمة الفلسطينية ترى نفسها في وضع حرج مع فشل المفاوضات، وتحملها وحدها عبء قضية الأقصى التي لن تجد معها "تسامحاً" من الأمة الإسلامية كلها حال تفريطها الواضح فيها.

يضاف إلى هذا وذاك، أن فعالية كسر حماس بدت هشة، وقدرتها على الصمود بدت كبيرة، ما يحبط الأمل في إنجاح مخطط انقلابي ضدها، وهذا بدوره يدفع باتجاه "المصالحة" لاسيما بعد فشل مخطط "تمرد" الغزاوي، وإخفاق دحلان في توظيف المال في غزة بمثل ما أنتجه في الضفة.

ورغم هذا التفاؤل لدى البعض؛ فإنه يساور البعض شيئاً من القلق خوفاً من أن يكون اللجوء إلى الاتفاق قد دفعت إليه جهات ترى ضرورة تحريك الموقف أملاً في حل آخر، بما يجعل فكرة جر حماس للفشل عبر حكومة وحدة أمل لدى البعض، إذ حتى لو بدا الخيار الانقسامي أثيراً لدى تل أبيب وواشنطن.. فإن لـ"الوحدة" أيضاً مخاطرها وربما تمنياتها لدى البعض الذي قد يرى في إنهاء الانقسام فرصة لإعادة انتاج الفوضى مجدداً!