أنت هنا

الدولة العميقة في.. ليبيا!
23 جمادى الثانية 1435
موقع المسلم

دولنا العربية التي مرت بانتفاضات ما أطلق عليه "الربيع العربي"، تسمي نخبتها المستقلة الروابط التي تجذبها نحو الحكم السابق على تلك الانتفاضات، والمرتبط سُرياً بدول الاحتلال الغربية التي لم تسمح للدول العربية بالاستقلال عنها بـ"الدولة العميقة"، تلك الدولة التي لم تزل تعمل لصالح دوائر السلطة الحقيقية في العواصم الغربية التي تهيمن على القرار العربي حتى اللحظة.

ولعل كثيرين يتصورون أن استخدام هذا المصطلح ينسحب على الدول التي ظلت انتفاضاتها دون حدود "العسكرة"، ولا يتوقعون أن يتم الحديث بقوة عن "دولة عميقة" في ليبيا أو في سوريا إذا ما أطاحت بنظام بشار، لكن الواقع أن الغرب يرسم كثيراً لـ"المتمردين" على سلطانه مسارات لسلوكها؛ فهو يعمل على إحباط كل مقاومة حتى إذا ما أيس من هزيمتها، ألحق بها رجاله وجنود ثم عمد إلى تصديرهم في وجه المشهد، وألبسهم أردية "الثوار".

أحمد بن بله في الجزائر، عبدالرشيد دوستم في أفغانستان.. وعشرات الأمثلة الأخرى شاهدة على تلك الوسيلة الناجعة لتدجين الثورات التي تحمل السلاح.. وهكذا يفعلون في سوريا من الآن، وفعلوا في ليبيا، وهم إذا يصنعون صنائعهم يعملون على إحباط كل طريقة ينزع إليها الثوار الحقيقيون لإبعاد الدخلاء والمرتزقة والعملاء عن المشهد السياسي والعسكري، ومنها إحداث الفوضى.

والفوضى اليوم في ليبيا مردها الأساسي كبح مسار تأسيس ليبيا على نحو يعيد السلطة الحقيقية للشعب الليبي، ويمنعها من بناء مؤسساتها الشورية أو الديمقراطية، وحيثما شرع الليبيون في التحرك باتجاه صياغة دستورهم، أو فرض هيمنة سلطتهم على كامل التراب الوطني، أو تفعيل دور برلمانهم، أو تحقيق استحقاق انتخابي؛ فإن رجال القذافي، ورجال الغرب الجدد، وكلاهما يلتقيان، ينفذان المخطط الغربي لمنع ليبيا من الانطلاق تمهيداً لتسليمها لقمة سائغة لتلك الدولة العميقة من جديد بشكل مباشر، لئلا يفلت خطامها من اليد الغربية.

ووسائلهم في هذا، إهانة العلماء (كمفتي ليبيا فضيلة الشيخ الغرياني وغيره من العلماء)، وشيطنة الإسلاميين، وتحميلهم كل مصيبة تحل بليبيا من دون الليبراليين والقذافيين واليساريين، وتحريك الآلة الإعلامية لتغطية وتبرير كل إجراء هادف إلى منع بناء مؤسسات ليبيا بطريقة ديمقراطية، وعرقلة أداء برلمانها وتحميله كل مشاكل البلاد، وتصنيع المشكلات ووضعها في وجه المؤسسات المنتخبة من دون المعينين (وهذا تكرر في أكثر من بلد "ربيعي" شهد تظاهرات أمام بيت أو مبنى كل مسؤول منتخب في البلاد مستثنياً من فرضته الدولة العميقة، مع جرائمهم وأخطائهم الجمة، سواء أكانت في الجيش أو المؤسسات المدنية)، وإشعال المعارك مع دول الجوار، وشق اللحمة الإسلامية والوطنية ودق أسافين الشقاق بين القبائل والمناطق، وتكريس الفرقة والانقسام، وتمهيد السبل لتقسيم البلاد أو تفزيع الناس من شرها لدفعهم للجوء إلى أركان حكم القذافي السابقين بحجة أنهم من حافظ على الأمن والوحدة والاستقرار!

هذا ما يلمس بجلاء اليوم في كل شاردة وواردة في ليبيا، مثلما تكرر بحذافيره في أكثر من بلد مجاور، ويزداد البلاء شدة كلما اقترب الليبيون من تحقيق اختراق في هذا الجدار الكئيب من التبعية والاستذلال؛ فحيث بدأت حركة صياغة الدستور جنن جنونهم، وحين شرعت الكتائب في إنضاج محاولة لتثبيت الأمن في طرابلس خشي المغرضون على العاصمة أن "تقع" في أيدي "الإسلاميين" إذ لا يمكن حينها إعادة عقارب الزمن للوراء بحسب ما يتوقعون.. لذا، فدون ليبيا ـ سلم الله أهلها ـ أيام عصيبة فيما يتصور من سياقات الأحداث الحالية.