ظاهرة ازدياد جرائم الخادمات الإثيوبيات بالخليج
14 جمادى الثانية 1435
د. عامر الهوشان

مع شيوع وجود الخادمات والجواري في البيوت في العهد النبوي , حيث كان نظام العبيد والإماء سائدا فضلا عن مشروعية اقتناء الخادمات , وبعيدا عن طريقة معالجة الإسلام لهذا الأمر من خلال وضع الكثير من التشريعات لتحجيم نظام العبيد والإماء للوصول أخيرا إلى إلغائه والقضاء عليه .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستجب لطلب ابنته السيدة فاطمة رضي الله عنها , حين طلبت منه خادمة تعينها في أعمال المنزل بعد أن أعياها التعب وأنهكتها متطلبات العجن وأعمال البيت التي كانت مرهقة وشاقة بالفعل – لا كما هو عليه الوضع اليوم من رفاهية ويسر - فقد فضل النبي صلى الله عليه وسلم لابنته وصهره علي بن أبي طالب رضي الله عنهما الاستعانة بالذكر وترك اقتناء خادم أو خادمة في المنزل .
فقد جاء في الحديث الصحيح عن علي رضي الله عنه : (أن فاطمة عليهما السلام شكت ما تلقى في يدها من الرحى فأتت النبي صلى الله عليه و سلم تسأله خادما فلم تجده فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته قال فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم فقال ( مكانك ) فجلس بيننا .... فقال ( ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ؟ إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما فكبرا ثلاثا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين فهذا خير لكما من خادم ) صحيح البخاري برقم 5959
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أفضلية عدم اقتناء الخادم أو الخادمة إن لم تدع الضرورة لذلك , كما يدل على أفضلية مباشرة الأب والأم لأعمال المنزل وتربية الأولاد , وعدم الاستعانة بالخادم أو الخادمة في ذلك , خاصة إذا كانت الخادمات على غير دين الإسلام , أو ظهرت دلائل وظواهر مفاسدهن وآثارهن السلبية المادية والمعنوية على الأولاد والأسرة بشكل عام .
فكيف إذا وصل الأمر إلى حد القتل وإزهاق الأرواح البريئة المسلمة المؤمنة ؟!!
لقد تواردت الأخبار منذ أكثر من عام عن ازدياد جرائم الخادمات الإثيوبيات بحق أطفال المسلمين في دول الخليج بشكل عام , وفي المملكة العربية السعودية بشكل خاص , ولم تقتصر ظاهرة القتل هذه على الأطفال بل تعدتها إلى النساء داخل المنزل , وكان آخر ما تناقلته وسائل الإعلام هو خبر إقدام خادمة إثيوبية بقتل كفيلتها بمنطقة "ميسان" بمحافظة الطائف , من خلال 8 ضربات بفأس أثناء أدائها صلاة الضحى منذ أيام .
كما تكرر قيام خادمات إثوبيات على قتل أطفال المسلمين داخل بيوت الخدمة في دول الخليج عموما, الأمر الذي أصبح يشكل ظاهرة لا بد من الوقوف على أسبابها ومعالجتها بشكل عاجل وصحيح .
وقد انطلقت صيحات التحذير وقرع أجراس الإنذار من خطر شيوع وانتشار هذه الظاهرة , فها هو قاضٍ سعودي يطلق صيحة تحذير شديدة اللهجة ضد خادمات البيوت الإثيوبيات "المسيحيات" بعد تزايد جرائمهن في المجتمع .
وقال القاضي في محكمة الاستئناف في مكة المكرمة طنف الدعجاني : إن جرائم العاملات المنزليات الإثيوبيات "المسيحيات" الدارج فيها هو قيامهن بقتل المسلم تقربًا لله تعالى ، بحسب معتقدات دينية خاطئة لديهم .
ولعل ما صرح به القاضي هو أحد الأسباب التي بدأ الكثيرون يتداولونها كتفسير لظاهرة ارتكاب كثير من الخادمات الأثيوبيات لجريمة قتل أطفال المنزل الذي يعملون فيه , فقد تدوال الكثير رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي "وواتس أب" مفادها " احذر.. فقد يكون طفلك - وفق عقيدة "الإثيوبيين"- مينجي ، أي طفل ملعون" ويعود المصطلح إلى عدة تقارير أجنبية أعدت عن ظاهرة منتشرة بالتحديد لدى قبيلتي "كارو" و"همر" في جنوب إثيوبيا .
ويسود اعتقاد لدى هذه القبائل بأن الطفل من الممكن أن يكون ملعوناً ويسمونه mingi""، وحسب معتقداتهم وعرفهم فإن هؤلاء الأطفال يستحقون القتل بالذبح وهو الغالب أو الدفن أو الرمي في الغابة ليموت جوعاً او من خلال إغراقه في النهر؛ لأن وجودهم في القرية سوف يجلب عليهم الجوع والدمار وتوقف نزول المطر حسب زعمهم ؟؟!!
ويكون الطفل "مينجي" - حسب خرافة معتقد هذه القبائل – إذا ولد الطفل خارج إطار الزواج ، أو ولد داخل إطار الزواج لكن بدون إذن من شيخ القبيلة , أو ظهرت أسنانه العلوية قبل السفلية أو يقطع الأشياء بأسنانه!!
وقد أضاف القاضي - وفقًا للاقتصادية – سببا يعتبر من مقدمات السبب العقائدي الخرافي الأول , ألا وهو الجهل وعدم وجود الوازع الديني فقال : "بحسب ما ذكره بنو جلدتهم تعليقًا على تلك الجرائم ، فإنهن "مسيحيات" ولسن مسلمات ، إضافة إلى عدم وجود وازع ديني يمنعهن من ارتكاب مثل هذه الجرائم" ، مبينًا أن "استقدامهن يكون من القرى والهجر، ولديهن جهل تام بالدين والتعليم، وجهلهن أيضًا بأنظمة المملكة، وبتعاليم الشرع الإسلامي وتطبيق حدوده، كقتل القاتل، وقطع يد السارق".
في مقابل الأسباب السابقة يعزو البعض شيوع تلك الجرائم إلى الخلل النفسي الذي قد تعاني منه الخادمة ، مركزين على ضرورة إخضاع الخادمات إلى "فحص نفسي" قبل استقدامهم إلى المنزل .
وأمام جميع هذه المحاولات لتفسير ظاهرة شيوع جرائم قتل المسلمين على يد الخادمات الإثيوبيات , لا يمكن تجاهل قضية سوء المعاملة التي قد تتعرض لها الخادمة من قبل مشغليها ، فالانتقام من الأهل الذين أساؤوا معاملة الخادمة قد يكون أحد الدوافع وارء القتل بهذه الصورة الوحشية , خاصة إذا اجتمع مع هذا السبب عدم وجود وازع ديني وأخلاقي لدى الخادمة .
وإذا كان الكثير يطالب مكاتب تصدير العمالة باستقدام عاملات منزليات سليمات نفسيًّا، وطبيًّا، وعقائديًّا , أو يطالب الحكومات الخليجية بإيقاف استقدام الخادمات الإثيوبيات نهائيا - وقد أوقفت السلطات السعودية بالفعل بشكل مؤقت في شهر يوليو من العام الماضي - استقدام الخادمات الإثيوبيات بعد تزايد جرائمهن - إلا أن الحل الأمثل يتمثل بالاستغناء – ما أمكن - عن اقتناء خادمة في المنزل , اقتداء بخير البيوت : بيت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .