أنت هنا

رؤى وأفكار حول تقرير مؤسسة راند للبحوث والدراسات
18 جمادى الأول 1435
د. فارس العزاوي

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

هذه جملة من الرؤى والأفكار على هامش التقرير الذي وضعته شيريل بينارد، ونشرته مؤسسة راند واسعة الاشتهار، وكان عنوان التقرير: (إسلام حضاري ديمقراطي: شركاء وموارد وإستراتيجيات):
أولاً: نرجو أن تكون هذه الدراسات دافعًا للخروج من دائرة اللغة الاتهامية، ولغة التأكيد على الحكم الشرعي وما يتعلق به - إلى دائرة التفكير والتدبير والتغيير والتأثير والفاعلية والتمكين.

 

ثانيًا: تأكيد مؤسسة القيم الإسلامية بوضعها في برامج علمية وعملية، والبحث في الآليَّات والإجراءات، فمعلوم لدى المفكرين الإسلاميين أن إشكالية الأمة في واقعها المعاصر ليس مع القيم، وإنَّما في التعامل مع القيم.

 

ثالثًا: العناية بتخريج علماء وطلبة علم من ذوي التخصُّصات المختلفة، يجمعون بين علم التخصص ومعرفة الواقع والثقافة الإسلامية الرصينة، وليس مقصودنا بذلك النظر الموسوعي، فإنَّ ذلك يتعذر في إطار تقدُّم العلوم وتعقدها وتراكماتها، وإنَّما الشأن أن يكون طلبةُ العلم في أي تخصص متقنين لعلم التخصص، مع الإلمام بالجوانب الواقعية والثقافية الإسلامية.

 

رابعًا: النظام المعرفي المعاصر لا يمكن تفعيله في المجتمع الإسلامي، إلا بربط مناهج التعامل مع مصادر التأسيس والمرجعية (الكتاب والسنة) بمناهج التعامل مع التراث الإسلامي والتراث الغربي، ومناهج التعامل مع الواقع.

 

خامسًا: ضرورة دراسة طلاب الشريعة لما يسمى بعلم الحضارة وفقهها؛ للوقوف على أسس الحضارة ومكوناتها ونواقضها، خاصة أن التراث الإسلامي يقوم على دراسات جادة في هذا الإطار، ولا يمكن تجاهل ما قدمه العلامة ابن خَلدون في مُقدمته التي أضحت مرجعًا لعلماء الاجتماع والحضارة، ليس عند المسلمين فحسب، بل كذلك عند غيرهم.

 

سادسًا: جوانب التأثير لمراكز الأبحاث الغربية لا تقتصر على تشكيل عقلية شعوبها، بل تجاوزت إلى تشكيل عقلية المسلمين، وهذا تطور في المناهج الغربية، حققته دراسات الاستشراق، فبعد أن كان الاستشراق متخصصًا في تشكيل عقلية دُوَله، أضحى يستهدف عقلية المسلمين بالتشكيك في دينهم، وخلخلة مسلماتهم ومعتقداتهم، كما يظهر هذا جليًّا في التقرير في موقفه من القرآن الكريم، والنبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - وسنته، وإزاء هذه الإشكالية لا بد من:
• إعادة الاعتبار إلى العلم الشرعي، والعلماء الشرعيين، وضرورة الجمع بين الفقه السياسي، ومراكز صناعة القرار وتجاوز الأزمة التاريخية في العلاقة بين العلماء والسلطة.

 

• الدعوة إلى دراسات جامعية عليا تصبُّ في كيفية توظيف نصوص الشريعة وقواعدها المرجعية، وما حققه التراث الإسلامي من إنجازات منهجية وعلمية لنهضة الأمة، والخروج من إطار إعادة الإنتاج لما هو قديم ومقرر ومدون؛ استسهالاً من الباحثين وطلبة الدراسات العليا في الحصول على الشهادات الجامعية العليا، دون أن يكون لها أثرها العلمي والمعرفي في الواقع الإسلامي.

 

سابعًا: لا ينبغي للنُّخبة المسلمة بكُلِّ تخصُّصاتها العلمية والمعرفية - الاقتصارُ على توجيه أصابع الاتهام إلى الغربيين، وبيان مؤامراتهم ضدَّ الإسلام والمسلمين؛ لأن هذا أمر مقرر لا إشكال فيه، كما قال تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120]، ويلزم إزاء ذلك محاولة إعادة التفعيل والتشغيل للأمة؛ لإعادة البناء وتقويته منهجيًّا وفكريًّا... إلخ.

 

ثامنًا: نحن بحاجة إلى العقلية التي تجمع بين الجانب الكلي والجانب الإجرائي؛ بحيث تحول الكليات إلى واقع عملي في إطار التحول من أصول الحفظ العقلي إلى أصول الحفظ العملي بالتطبيق في إطار متوازن، ويتمُّ كل ذلك في إطار مراعاة التدبر للألفاظ والمعاني، والمطلوبات والمنهيات، وطرائق الالتزام، وفهم الواقع وفروض الوقت، وفقه الحال، وفقه المآل، والبحث في أصول الفاعلية والتمكين.

 

تاسعًا: ما يثيره التقريرُ من ضرورة الدعم لمتبني ما يسمى بالإسلام المعاصر، والرؤية التجديدية المغايرة لمفهوم التجديد الشرعي، وهي لا تعدو أن تكون عصرنة للإسلام، أو هي في حقيقتها عزلُ النص الشرعي عن مقاصد واضعه، ويتوافق هذا الطرح فيما يبدو لنا مع نظرية موت المؤلف التي ينظر لها كارل بارت وغيره من مفكري الغرب، في الوقت الذي يصم فيه التقرير غيرهم من الملتزمين بمنهج الكتاب والسنة بأوصاف التشدُّد، والرجعية، والتطرف، ومعاداة التجديد، ورفض الديمقراطية، وأمثال غيرها من التهم الجاهزة والمعلَّبة، ما يثيرُه التقرير تجاه كل هذا لا يعدو كونها مخططًا إستراتيجيًّا لإبقاء الأمة متخلفة ومرهونة بالغرب ومخططاته وسياساته؛ لجعل الأمة دائرة في إطار المفعول به لا الفاعل، ونحن ندرك تمامًا أن أمثال هذه المشاريع التي يكون مقصودها عصرنة الإسلام وعقلنته - لا تحقق مقاصدها وأهدافها إلا إذا وافقت أمةً موصوفة بالعطالة الفكرية والاسترخاء الحضاري، والواجب الذي تتحمله النخب الفكرية المسلمة يدور في إطار الوعي المنهجي وعمليات تفعيله.

 

________________________

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/37828#ixzz2vT3g6d00