25 رمضان 1437

السؤال

السلام عليكم..
أريد التوبة، لقد فعلت الكبائر والصغائر ولم أصلِّ ولم أَصُمْ، ولقد كذبت كثيراً، وأدمنت مشاهدة المسلسلات والأفلام ونشرتها للأسف، وقد كلمت شباباً، وقد أعجبت بصديقتي وخاويتها - والعياذ بالله -، ولقد عققت أمي وأبي، ولقد تكلمت عن أمي بالسوء، ولقد سرقت فلوس أبي، ولقد جاهرت بالمعاصي... والآن ربي ينتقم مني وأنا أستحق، ولكن أريد التوبة هل ربي سوف يقبل توبتي؟

أجاب عنها:
أسماء عبدالرازق

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حيا الله أختنا التائبة الطامعة في رحمة الله ورضوانه.
ابشري أيتها المقبلة على الله. الله تعالى يقول في سورة الزمر: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]، الآية موجهة للمسرفين في المعصية ومع ذلك فيها من أدوات التوكيد على رحمة الله، وغفرانه لذنوب العائدين إليه ما يحفز على الفرار إلى الله فراراً، والمسارعة إلى التوبة دون تلفت.
ويقول جل وعلا في سورة طه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82]. غفار، يكثر من المغفرة، كلما تاب العبد قابل الله توبته بالمغفرة.
والله يقول كذلك في سورة الفرقان في سياق وصف عباده: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان:68-70]. فهذه بشارة عظيمة، عليك بالتوبة والعمل الصالح وهو حقيقة التوبة. وقد اختلف أهل العلم في صفة هذا التبديل؛ وهل هو في الدنيا أو في الآخرة؟ فمنهم من قال هو في الدنيا يبدلهم الله بالشرك إيماناً، وبالفسق والفجور عفة وإحصاناً. ومنهم من قال هو في الآخرة؛ تبدل السيئات بحسنات بفضل الله ومنه. وسواء كانت في الدنيا أو الآخرة فكلاهما مغنم عظيم يحتاجه المسلم ويتمناه. فبادري إلى التوبة، يغمرك الله برحمته التي وسعت كل شيء فتسعدين في دنياك وأخراك.
وفي الحديث: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده إذا تاب من رجل كان في فلاة فضاعت دابته وعليها طعامه وشرابه وسقاؤه، فلما رآها قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح". وفي الحديث القدسي: "إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة".
فبادري بالعودة إلى الكريم البر الرحيم، واحرصي على:
- الاجتهاد في فعل الطاعات لأن "الحسنات يذهبن السيئات". وإذهاب السيئات يشمل أمرين: إذهاب وقوعها وإذهاب حبها، فيسهل على النفس تركها، قال تعالى في سورة الحجرات: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:7]. ويشمل كذلك محو إثمها إذا وقعت. وقد وصف الله تعالى أهل الجنة في سورة الرعد وعد من صفاتهم أنهم {وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] أي يفعلون الحسنات فتدفع السيئات.
- الحرص على الصلوات المفروضة، والاستكثار من النوافل، فقد قال تعالى في سورة هود: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]، وقال في سورة النحل: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [النحل:45].
- الإكثار من قراءة القرآن، وهذه من وصايا الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ} [الكهف:27]، {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:4].
- الإكثار من ذكر الله تعالى، فقد بين جل وعلا في سورة الأحزاب أن من ضمن الأصناف الذين أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.
- الإكثار من الدعاء بالثبات، والتوفيق للطاعات، قال تعالى في سورة البقرة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]، وقال في سورة غافر: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].
- الحرص على الرفقة الصالحة، وتجنب أصدقاء السوء، وهذه وصية الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في سورة الكهف: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:28].
- تجنب كل ما يمكن أن يقودك إلى المعاصي سواء كانت أجهزة أو أماكن أو غيرها، لاسيما تلك التي وقعت فيها من قبل لأن النفس قد تضعف.
دعائي لك بالتوفيق والسداد. جعلك الله وإيانا من التائبين العابدين القانتين، وشملنا جميعا برحمته وعفوه ورضوانه.