"المجتمع الدولي"والدماء "البيضاء" الغالية
28 ربيع الثاني 1435
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

انتفض العالم عن بكرة أبيه بعد أن سال الدم "الأبيض النقي" على الأراضي الأوكرانية إثر مظاهرات ضد النظام الموالي لروسيا حيث وجهت الشرطة أسلحتها إلى صدور المتظاهرين فسقط منهم العشرات؛ فما كان من أوروبا وأمريكا إلا أن وجهوا إنذارات شديدة اللهجة إلى النظام الأوكراني وأرسلوا مبعوثين برسائل محددة للرئيس ولأركان الحكم في أوكرانيا....

 

وبعد أيام قليلة انقلب الوضع رأسا على عقب فقد فهم الجميع الرسالة المحددة التي وجهتها الدول الكبرى ـ عندما يريدون ذلك ـ فتخلت الشرطة والجيش عن الرئيس وعزله البرلمان وعين رئيسه بدلا منه وأقال الحكومة وعين أخرى بدلا منها؛ ففر الرئيس المعزول هاربا مذعورا من القصر الرئاسي بعد أن وجهت له اتهامات بالقتل الجماعي والنهب, ورأينا صورا غير مسبوقة لقوات الشرطة وهي تجثو على ركبتها أمام المتظاهرين طالبة منهم الصفح والعفو...

 

أحداث متلاحقة وسريعة هي التي جرت في هذه الجمهورية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق بعد عقود من التبعية بعد أن سقطت دماء بعض المواطنين البيض فيها حيث صرح مسؤولون أوروبيون بأن اليوم الذي تسيل فيه دماء الأوروبيين هو يوم "أسود"! ولم يذكروا لنا ما هو لون الأيام التي سالت فيها دماء الآلاف من المسلمين في ميانمار وأفريقيا الوسطى وسوريا وفلسطين ومصر حيث اكتفت أوروبا وأمريكا  "المدافعون عن حقوق الإنسان" بالشجب إذا تسير الأمر وتوجيه بعض رسائل "القلق على الأوضاع"...

 

هذا هو الفارق بين الدماء البيضاء النقية للأوروبيين وبين دماء المسلمين الرخيصة في نظر المجتمع الدولي والقوى الكبرى التي تتشدق ليل نهار بالحفاظ على حقوق الحيوان وتمنع الذبح الشرعي "رأفة به" ـ على حد زعمها ـ بينما تترك الآلاف من المسلمين يتعرضون للقتل والذبح بمختلف أنواع الأسلحة ويكتفون بالامتعاض إذا كان عندهم وقت له ...

 

لقد استمرت مأساة المسلمين في ميانمار من العام الماضي وحتى الآن حيث يقتل المسلمون على الهوية من قبل جماعات بوذية متطرفة ثم نرى أمريكا ترفع العقوبات المفروضة على الحكومة هناك بدعوى "توجهها نحو الديمقراطية" وكأن لا علاقة للديمقراطية هذه بحياة المسلمين ولاحقهم بالعيش في أمان ومنحهم حقوق المواطنة الكاملة كما يطالبون بذلك للأقليات "المسيحية" والبوذية في الدول الإسلامية والتي لا تعاني من مثقال ذرة مما يعانيه المسلمون في ميانمار...

 

الغرب هنا يكافئ الجلاد ويعاقب الضحية دون أن تتحرك ضمائر الشعوب الأوربية التي تتباهى بمحاربة اقتناء فراء الثعالب حفاظا على  حياة هذا الحيوان مرهف الحس! أما مسلمو ميانمار  فهم "بلا إحساس في منطق الشعوب المتقدمة"! ..

 

وليس ببعيد عن ذلك ما يجري بأفريقيا الوسطى فالغرب بنفس النهج الاستعلائي العنصري تدخل هناك من أجل عزل الرئيس المسلم بدعوى أنه شكل مليشيات لقتل "المسيحيين" وعندما غادر الرئيس المسلم ودخلت قوات فرنسية إلى أفريقيا الوسطى تفشى القتل في المسلمين تحت أعين الجنود الفرنسيين والرئيسة "المسيحية" الجديدة التي لم يجرؤ الغرب على مطالبتها بالاستقالة بعد اعترافها بأنها لا تستطيع حماية المسلمين..هذا هو المنطق المعوج الذي تدار به الأمور في العالم في ظل المنظمات الكسيحة التي يسطر عليها اللوبي الغربي "المسيحي" العنصري الذي لا يتذكر راية الحريات وحقوق الإنسان إلا إذا مست أحاسيس المواطن الاوربي أو المواطن "المسيحي" أو مست مصالحه الحيوية ورفاهيته...إن امريكا تراجعت عشرات الخطوات للخلف في سوريا بعد ضغوط روسية وصفقة مع إيران الشيعية رغم أن من قتل في سوريا حتى الآن أكثر من 120 ألف شخص وليس عشرات الأشخاص كما في أوكرانيا ..

 

أمريكا هنا تهدد وتؤيد وروسيا تفهم المطلوب وتتراجع وتعمل ألف حساب لما يريده الغرب رغم أن الأمن الأوكراني وثيق الصلة بالأمن الروسي أكثر من الأمن السوري ومع ذلك فهكذا تقضي لعبة التجاذبات والمصالح التي تخضع لحسابات محددة ليس منها الحفاظ على الدماء الرخيصة للمسلمين!