أنت هنا

انقلاب ليبيا الذي انقلب
14 ربيع الثاني 1435

"ما قمنا به ليس انقلاباً ولا نسعى لحكم عسكري، وإنما انسجاماً مع مطالب الشارع التي خرجت تطالب برحيل المؤتمر العام".. تلك العبارة التي قالها القائد السابق للقوات البرية والبحرية الليبية، اللواء خليفة حفتر، ليست جديدة بطبيعة الحال.. سمعناها في عالمنا الإسلامي كثيراً جداً.. سمعتها معنا شعوب إفريقيا وآسيا؛ فعندما تسأم بعض قطاعات شعبية أو تدفع إلى السأم أو يتم إخراجها بشكل ما؛ فإن أحد القادة يكون جاهزاً لتقديم نفسه بديلاً، ولاعتبار أن الشعب قد لجأ إليه لإنقاذه من براثن الواقع!

الانقلابات عادة تسبقها حالة من التعفن والفساد، والفوضى الممنهجة وتسميم الأوضاع الأمنية.. ليبيا بيئة مناسبة للشطر الأخير على الأقل؛ فالحالة الميليشياوية توفر ظرفاً مثالياً لوجود "المنقذ"، وهذا المنقذ إنما يأتي عادة ليطيح بأمل الشعوب في أن تحكم ذاتها بنفسها، ليئد ما يولد من طموحات بالاستقلال والهوية، ويفضي إلى اعتقاد يرسخه الإعلام بأن تلك الشعوب "المسلمة" في معظمها "ليست جاهزة لأن تملك إرادتها وحريتها وهويتها واستقلالها".

لاشك أن التجربة الديمقراطية في ليبيا متعثرة، وبناء المؤسسات تحوطه عراقيل كبيرة، لكن معظمها لا يكمن في قصور الشعوب، وإنما في الإرادات "الاستعمارية" التي لا تريد لبلد مسلم أن يطل برأسه على العالم، ولا أن يرسم طريقه، ويمضي للأمام.

"المارقون" .. "دقت ساعة..".. ألفاظ استخدمها القذافي كثيراً، عاد حفتر لاجترارها وأضاف إليها عدة عبارات تستخدمها "منظمات المجتمع المدني" المتغربة في عالمنا، من أمثال "الحكم الرشيد".."الحوكمة".. زاد عليها فزاعات المسلمين الجديدة، والمصدرة للغرب "مكافحة الإرهاب".. هذه وصفة ملائمة لبيان انقلاب!

أذيع شريط بيان الانقلاب، تلقفته فضائيات المارينز الاعتيادية في المنطقة.. لكن ما كان على الأرض مختلفاً، إنه نموذج لما يعد للتطبيق أيضاً في سوريا؛ فبلاد تحولت فيها الثورات إلى "العسكرية" والقتال، تعوزها طريقة مباغتة عسكرية تخلو من الزخم الشعبي، لكن سواها تقتات على بعض الفعل الشعبي.
خسرت مجموعة حفتر جولة، لكن المعركة لم تنته.. سيعاودون قريباً جداً..

المشكلة التي وجدها الانقلاب الفاشل في ليبيا هي أن فريقاً من القوى المسلحة في البلاد لم يصنع على يد الغرب، لذا تعذر إنجاح الانقلاب، لكن في المقابل فإن أكبر ما يدعم تكراره هو أن فريقاً آخر صنعته أجهزة استخبارية غربية، أرادت حشر رجالها وتصعيدها عنوة أو بطرقها الاعتيادية من الترغيب والترهيب، وهذا هو التحدي الذي ما زال قائماً، لاسيما أن نجاح التجربة يهدد مصالح الغرب وأدواته.

والغرب يدرك المسار الصحيح للديمقراطية في المنطقة لكنه يكافحه بقسوة. يدرك أن "التداول السلمي للسلطة" في ليبيا كفيل بتصحيح مسار العملية السياسية؛ فما فشل فيه الساسة الليبيون اليوم سيصلحونه غداً مع ممارسة سياسية حكيمة.. هكذا صنع الغرب نظام حكمه وهكذا لا يريدون أن يتكرر في ليبيا!