"الإرهاب" شماعة اضطهاد المسلمين
26 ربيع الأول 1435
د. عامر الهوشان

لم يعد مصطلح "الإرهاب" الذي ابتدعه الغرب كذريعة للنيل من المسلمين وتشويه صورة الإسلام حكرا عليهم , فقد عم هذا المصطلح وانتشر وأصبح مشاعا , تستخدمه جميع الدول في مشارق الأرض ومغاربها كشماعة لاضطهاد المسلمين , وعنوان عريض وفضفاض لتبرير جميع أعمال العنف والقتل بحقهم .
ولم يعد وصم المسلمين بالإرهابيين وقفا على مقاومتهم للظلم والطغيان , أو دفاعهم عن أنفسهم ودينهم , مما يعتبره أعداؤهم إرهابا تجب مواجهته , بل تعداه إلى تبني بعض الدول لجماعات تقوم بأفعال إرهابية ابتداء , لتلصق التهمة بعد ذلك بالمسلمين رغم صبرهم على الظلم وتحملهم للاضطهاد , وعدم مواجهته بأي عنف أو صدام , ترجيحا لمصلحة البلاد وسلامة العباد .
ولعل من أهم دلائل اختراع أعداء الإسلام والمسلمين لهذه الأفعال الإرهابية التي تستخدم وسيلة لقمع المسلمين في شتى بقاع الأرض , وقوع جميع ضحايا الفعل الإرهابي من القتلى والجرحى من المسلمين , لتأتي مرحلة مواجهة هذا الإرهاب بمزيد من القتلى والجرحى من المسلمين أيضا , ثم يقال بعد كل هذا : إن فاعل الإرهاب كان مسلما ؟!! فأي عاقل يمكنه تصديق هذا الكلام .
للأسف الشديد هذا ما يحصل تماما في كثير من بلدان العالم اليوم , الذي يدعي التمدن والحضارة والرقي , ويرفع عاليا شعارات حقوق الإنسان , ومن بين هذه الدول "الصين" , فقد وصفت السلطات الصينية المسلمين في تركستان الشرقية "شينجيانج" بـ "الإرهاب" عقب الصدامات التي حدثت يوم الجمعة الماضي .
وكانت اشتباكات اندلعت الجمعة الماضية في شينجيانج أدت إلى مقتل 12 شخصا , وقال الإعلام الصيني الرسمي : إن ستة اشخاص قتلوا بأيدي الشرطة , بينما قتل الستة الآخرون في انفجارات وقعت في منطقة "أكسو" في الاقليم .
ورغم أن معظم الضحايا والقتلى من المسلمين , حيث اعترفت السلطات الصينية بأن شرطتها قتلت نصف عدد القتلى , بينما وقع النصف الآخر ضحية انفجار لا تعلم بعد الجهة المسؤولة عنه , إلا أن التهمة كالعادة جاهزة للمسلمين الإيغور , التي سارعت السلطات باتهامهم بالانفجار قبل البدء بالتحقيقات .
ورغم أن غالبية سكان "تركستان الشرقية" من المسلمين الإيغور , إلا أن الصين منذ أن احتلتها وحولت اسمها إلى إقليم "شينجيانغ" , وهي تمارس جميع أنواع التضييق والاضطهاد ضد المسلمين , إضافة لمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية , ناهيك عن سعيها المتواصل لتغيير التركيبة السكانية للإقليم المسلم .
ولم تكتف الصين بقتل 12 شخصا والقبض على خمسة آخرين من المسلمين , بل زادت على ذلك بإطلاق بعض أبواقها – مسؤول صيني وصف بالرفيع – الذي طالب بتشديد الإجراءات على المسلمين هناك , وكأن المسلمين كانوا يهنئون بالضمان الكامل لحقوقهم المدنية , ويتمتعون بالحرية التامة في ممارسة شعائرهم الدينية قبل هذا الحادث ؟!!
فقد طالب "يو تشنغ شنغ" - عضو اللجنة الدائمة بالمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني المؤلف من سبعة أعضاء - باتخاذ إجراءات تكفل ألا تتحول الممارسات الدينية إلى أفعال مخالفة للقانون، على حد قوله.
وقال : "يتعين على النشطاء الدينيين التوعية الرشيدة لمفاهيم الدولة والقانون والمواطنة بين الدوائر الدينية ؛ حتى يمارس أتباع الديانات الأنشطة الدينية بصورة طبيعية في إطار القانون والسياسة".
وبينما تكفل الحكومة الصينية لأبواقها ومؤيدي سياستها الحرية المطلقة في التعبير عن حقدهم على المسلمين , المنمق بتعابير احترام القانون والمواطنة , تسكت الأصوات الأخرى التي تنتقد سياستها العنصرية تجاه المسلمين , أو تطالب بحقوقها وحقوق المضطهدين والمظلومين .
فقد اعتقلت السلطات الصينية الأستاذ الجامعي في بكين المنحدر من أصل إيغوري "الهام توحتي" , المعروف بانتقاده لسياسة الحكومة الصينية تجاه الاقليات الاثنية في البلاد , بذريعة خضوعه للتحقيق باتهامات تتعلق بنشاطات انفصالية , الأمر الذي يفضح سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها الصين بحق مسلمي الإيغور أو من يدافع عنهم وعن حقوقهم .
لقد لخص "دلشاد رشيد" الناطق باسم مؤتمر الإيغور العالمي في المنفى حقيقة أسباب الاحتجاجات التي جرت الجمعة الماضية بجملة مختصرة معبرة : إن القمع والاستفزاز هما السببان الحقيقيان لاندلاع المواجهات .
ومن المعلوم أن نزع فتيل هذه الاحتجاجات وإيقاف تكرار المواجهات لا يمكن أن يتحقق إلا بتفادي أسبابهما الحقيقية الفعلية , وذلك من خلال الوقف الكامل لعمليات القمع والاضطهاد التي تمارسها السلطات الصينية بحق مسلمي الإيغور , إضافة لمنع وقوع استفزازات جديدة لمشاعر المسلمين الدينية .
فهل أمثال هذه الإجراءات البسيطة غير ممكنة لدولة بحجم الصين ؟! أم أن السلطات الصينية لا تريد فعل ذلك ؟؟