أنت هنا

سوتشي ليست دورة أوليمبية ولا الأندلس منتجعا !
1 ربيع الأول 1435
موقع المسلم

ما يقودنا إليه أخبار انفجاري مدينة فولغوغراد (الروسية) ليس سوى أنه "عمل إرهابي يستهدف تعطيل الدورة الأوليمبية القادمة في منتجع سوتشي" الواقع طبقاً للقانون الدولي ضمن حدود روسيا..على أن الواقع ليس كذلك.. انفجاران حصلا، وأوقعا 33 قتيلاً روسياً على الأقل وجرح عشرات آخرين بحسب معطيات رسمية روسية، أحدهما في محطة قطارات والآخر في باص. ظاهرهما عمل استهدف مدنيين، جاء على إثر تهديدات قبل 6 أشهر من زعيم المقاومة الشيشانية بعرقلة البطولة الأوليمبية الشتوية، لكن في خلفية المشهد جروح وثارات لاسيما في تلك المقاطعة المحتلة من الروس.. وبغض النظر عن ماهية الوسائل التي يتخذها بعض القوقازيين أحياناً في جهودهم من أجل تحرير بلادهم؛ فإنه لا الوسائل تلك، ولا المغالطات الروسية والعالمية يمكنهما أن يطمسا جذور المشكلة؛ فحيث نتحدث عن سوتشي فشجون المنطقة تبعث ذكريات مؤلمة، ربما نحن كعرب لا نلتفت إليها في زحمة مآسينا وكوارثنا.. إن القتلة الروس وحلفاءهم سعوا لإذلال إخواننا الشراكسة تحديداً في هذا العام بعد 150 عاماً من مذبحتهم الرهيبة، حين ألقاهم الروس في البحر الأسود وفر الباقون بدينهم إلى مناطق إسلامية أخرى كتركيا والشام بعد أن كانوا رموزاً للفروسية الإسلامية قبل قرون؛ ففي 1864 كانت ثمة واحدة من أكبر المجازر التي سويت فيها قرى بالأرض ونفذت فيها أبشع جرائم الإبادة الجماعية في العصر الحديث.. واليوم يريدون أن يتخذوها مناسبة للاحتفال والألعاب! هكذا الغرب والشرق يفعل، ويختار تواريخ احتفالاته نكاية فينا، وهو اختار المقاطعة في ذكرى المذبحة تشفياً، وهم ما نسوا هزيمتنا فكيف ننسى مآسينا؟! ومن أقصى الشرق إلى مغربنا الإسلامي، حيث آخر المعارك في غرناطة، وذكرى فقدان الأندلس قبل 522 عاماً، وهي موعد لاحتفالاتهم وفرحهم، وهم لا ينسون وننسى! والحقيقة أن مثل هذه الذكريات تنكأ جراحاً لابد من إحيائها دوماً، ليس رغبة في اجترار الأحزان والألم، ونحن نحياه في سائر بقاعنا الهضيمة، وفي قلب ديار الإسلام، من شام وعراق ومصر.. الخ، وإنما لأن هذه الأمة لا يصلح انبعاثها ما لم تشد أطرافها لبعضها، وتتكافأ دماؤها حقاً؛ فأرض الشركس الضائعة، أو ممالك الأندلس الزائلة خلفتا "لاجئين" تماماً مثلما هو الحال اليوم في أرض الشام..ليس في المشهد خلاف سوى ابتعاد الأزمان وجدة مأساة الشام ومن قبل العراق! إن الإحياء يستلزم وعياً متكاملاً بخرائطنا الحقيقية التي لا نلامسها، ولا ندرك أبعاد معاركنا مع أعداء لا يرحمون.. قسموا ومزقوا وهجروا وذبحوا ووضعوا الحدود وما زالوا يفعلون.. فما لاقاه الأجداد نلمس نظائره اليوم.. لا فرق كبير بين ما فعله قدماء المحتلين (المستعمرين زوراً)، وبين خلفهم البغيض.. هي قصة متصلة، لا خلوص في آخرها من دون قراءة أولها.. ستتسمر فئات منا أمام شاشات التلفزة مبهورة بجديد الألعاب النارية والرقصات وآخر مستجدات تقنيات الترفيه الروسية في احتفالي افتتاح وختام الألعاب الشتوية الأوليمبية في سوتشي الشهر القادم.. لكن ثمة عجائز من الشراكسة حكى لهم من تبقى من أجدادهم، أن ثمة رفاقاً لهم قد غيبهم البحر الأسود غرقاً؛ فأقسموا ألا يصطادوا منه سمكاً حزناً على أبناء قبيلتهم ودينهم، ووفوا بذلك حتى اللحظة! ربما ليس من الضرورة أن يحرموا أنفسهم من رزق سيق إليهم.. لكن ربما من المروءة أن نتذكر مآسيهم ونقف إلى جوارهم!