أنت هنا

واقع أداء فصائل العمل الإسلامي في ظل التحديات
19 صفر 1435
د. محمد العبدة

تمهيد:
نحن نعلم ، وكلكم يعلم كيف تطورت الأحداث في سورية والكتائب التي أنشئت لمجاهدة العدو النصيري ، وكيف جرى توحد فصائل معينة ثم آل الأمر أخيرا إلى التوحد بين الفصائل الكبرى تحت مسمى ( الجبهة الإسلامية ) وهذا شيء طيب وهو ماكنا نطلبه ونشجع عليه ، وتحت هذه  الجبهة الأقسام التالية : الهيئة السياسية والهيئة العسكرية والأمانة العامة ،وكذلك مجلس الشورى ويرتبط به المجلس الشرعي والإدارة المالية .
تحتاج هذه الجبهة إلى الدعم المالي وإلى الكوادر المؤهلة ودعم العلماء واما ماتسمعون من هنا وهناك عن السلبيات فهذا كما أعتقد شيء طبيعي عندما يطول امد الثورة ، ومن فئة عاشت عقودا من الزمن تحت القهر والاستبداد .
قامت هذه الجبهة بفصائلها المتعددة بإنجازات عسكرية عظيمة فهي تقاتل النظام وايران وشيعة العراق ولبنان والمعارك الآن بين كر وفر كما تشاهدون ، هذا مع قلة السلاح وقلة المال ، لقد اتسعت الساحة ، وتطور الجانب العسكري  ولكن هناك ضعف في الجانب السياسي والإعلامي ، وأركز هنا على الجانب السياسي لأنه يخدم الجانب العسكري، كما أن إدارة المناطق التي لايتواجد فيها النظام كانت فرصة للكتائب الإسلامية للإتصال مع الناس وخدمتهم وهذه لم تستغل كما يجب ، ولكن الكتائب ساهمت في إنجازات أخرى في مجال الدعوة والدورات الشرعية ، مع أن النصيب الأكبر في هذا المجال كان لهيئة الشام الإسلامية حيث أقامت دورات عدة لأعضاء الهيئة الشرعية من الكتائب ودورات لتأهيل الدعاة ودورات شرعية في ريف ادلب وحماة وحلب والرقة وغبرها ، وساهم ايضا في هذا المجال تيار الوسطية

 

التحديات
سأتكلم عن التحديات التي تجابه الجبهة الإسلامية والفصائل بشكل عام  ، وهذا ينطبق أيضا على المشاريع المشابهة في البلاد الأخرى
1 – بطء الاندماج الحقيقي عسكريا وسياسيا وماليا وإن كان التوحد بحد ذاته هو إنجاز كبير ، لأن المطلوب هو الاندماج الكامل أمام النظام المدعوم من كل قوى الشر، وموضوع التعاون والوحدة مما نعانيه في كثير من أمورنا ، فنمط الفردية والإفراط في الاستقلالية لايساعد على التعاون المطلوب ، إنه أمر في غاية الأهميه ولابد من تنازلات من هنا وهناك حتى يتم الأمر ، فمهة الإسلاميين تتسم بصعوبة مزدوجة فهم يريدون إسقاط النظام وإصلاح المجتمع وهذا لايتم إلا بأن ينظموا أنفسهم مع عدم الانفصال عن الأمة .
2 – إن استعمال القوة والجهاد في سبيل الله قد يكون هو الوسيلة الوحيدة لتحرير البلاد والعباد من الظلم والطغيان وتسلط الفرق الضالة ، ولكن عندما لايتسلح المسلم بالكتاب والسنة والعلم بالسياسة الشرعية فإن السلاح الذي يحمله سيتحول إلى خطر على الجهاد والثورة ، وتبدأ التصفيات الداخلية للذين يقال عنهم أخوة قبل قليل ، إن الفكر المتطرف ليس فكر بناء ، فهو لا يستطيع إصلاح المجتمع الذي تبنى عليه الدولة ، إنه تحد كبير كان الواجب التنبه له مبكرا ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " واذا كان السيف تابعا للكتاب كان أمر الإسلام قائما " إن أصحاب هذا الفكر يعيشون أزمة فقدان الأفق والرؤية ، إنهم يقضون على نقاء الجهاد والثورة ، وفي خضم الأحداث يسكت البعض عنهم بل ويشجعهم وهذا خطأ في مسار الدعوة.

 

3 – النظر إلى الواقع والانطلاق منه إلى الغايات الكبرى
يجب أن نبدأ بتغطية الهوة القائمة بين الضروري والممكن ، نبدأ بالممكن حتى نصل للضروري ، فالناس حين يرون الغايات الكبرى ويتبينون أن هناك خطوات تؤدي لتحقيقها فسوف يتشجعون ويؤيدون أصحاب هذه النظرة ، لاتكفي العموميات هنا ، لابد من معرفة تفاصيل الواقع ودراسة ما حولنا وما يحيط بنا ولا نستطيع جلب صور وضيئة من السابق كانت لها بيئتها ورجالها ونطبقها على واقع ضعيف هو بحاجة لإصلاح في جميع النواحي حتى يستطيع على هذا الحمل الثقيل ، إنه لايكفي لربان السفينة أن يقلع باتجاه معين بل يجب عليه أن يراقب السير دائما من أجل تعديل المسار إذا لزم الأمر ، لابد أن يستثمر الجهاد لمصلحة الإسلام  وهذا يعني الدخول في الأمر السياسي بحنكة وذكاء ، إن الدول تتدخل الآن في الشأن السوري ، كيف نتعامل مع هذا الموضوع ، إن عدم تقدير الخصم والاستهانة به لايفيد شيئا ، كيف نتوقع مايدبر الخصوم وكيف يمكن التخلص من مكرهم ، أمامنا تجربة مصر وتونس وليبيا وكلها تجارب غنية  وخاصة مصر ، يجب أن تدرس ، هل ننزع الفتيل من المناطق القابلة للإنفجار ضدنا  وتوجيه الصراع نحو النقاط الأخطر ؟
إن الغرب يعتبر أي نجاح لمشروع إسلامي هو موجه ضدهم ، نحن لا يهمنا ماذا يشعرون ولكن على أهل الإسلام أن يعوا هذه الحقيقة ، ولا يعني هذا إخفاء عقيدتنا وإسلامنا ، ولكن يجب علينا أن نتدبر سبل المواجهة ، وفي السياسة ليس من الضروري أن تفصح عن كل خططك المستقبلية ولكن الكلام العام والتورية .

 

4 – مثال من تاريخنا
في ظروف صعبة مرت بها الخلافة العباسية نرجع إلى ماكتبه القاضي الماوردي في الأحكام السلطانية وغيرها من كتبه في السياسة ، لنرى أنه وهو المقرب من الخلافة وقد سيطر على بغداد الشيعة البويهيون يحاول أن ينقذ مايمكن إنقاذه ويقلل من الخسائر ، فهو يدافع عن الخلافة نظريا ويضع الشروط حتى لاتكون ملهاة يعبث بها كل دجال ، كما نلاحظ أنه ركز بشكل خاص على العدالة وتوحيد المذاهب السنية وهي رغبة الخليفة القادر بالله أيضا حين قام بحركة إحياء سني وأبعد الشيعة والمعتزلة عن مناصب الدولة ، وفي كل ما كتب الماوردي كان يؤكد على الدين من حيث المبدأ مسترشدا بالواقع وظروف العصر يومها وينصح الخلافة بحل المشاكل مع الآخرين عن طريق التفاوض . كما نرى أن ابن تيمية لايهتم بموضوع الخلافة بقدر اهتمامه بإنقاذ الأمة وحمايتها وتوعيتها .

 

5- الوسائط المطلوبة
حتى نصل إلى أن تكون القوة الإسلامية هي الأعظم لابد أن نفكر في الوسائط التي تساعدنا وتمهد لذلك الأمر ، ومن هذه الوسائط : اجتماع العلماء والدعاة وهم المؤسسة المركزية في جسد الأمة ، وتفعيل دور مؤسسات الأمة : الوقف ، العمل الخيري ، الجمعيات ....
يقول الإمام الطرطوشي : " فلا يقوم السلطان ( الحكم ) لأهل الايمان ولا لأهل الكفر إلا بإقامة العدل النبوي أو ما يشبه العدل من الترتيب الاصطلاحي " ويقصد بالترتيب الاصطلاحي ما يتفق عليه الناس مما يقرب الى الصلاح ويبعد عن الفساد ، إننا نعيش في عصر مليء بالتحديات فأعداء الإسلام يريدون تشكيل العالم حسب أهوائهم ويحاولون تفكيك العالم العربي والإسلامي ، ويساعدهم في ذلك مايرفع من شعار الوطنية الضيقة التي تحولت إلى وثنية ، لقد تحالف الغرب والشرق على القضية السورية فلماذا لا تتحالف الجماعات والجمعيات والأحزاب الإسلامية وهو مطلب شرعي ومصلحي.

 

6 – إن العامل الاقتصادي مهم جدا في عصرنا ، كيف نفكر في هذا الجانب ، هناك حاجات أساسية للإنسان لابد أن تؤمن له ،
7 – إن البدايات الصحيحة تؤدي بإذن الله إلى النتائج الصحيحة وإن من أخطر الأمور أن تتسارع الأحداث وتسوق الناس والمجاهدين إلى ما لا يرغبون ، وتصبح الثورة كالمطية الجموح تسوق من يركبها ولا يسوقها ، وتختلط الأعمال والتبعات ويفلت الزمام من الأيدي ( الثورة الجزائرية مثالا )