درس التقارب التركي الكردي
27 محرم 1435
د. عامر الهوشان

في زمن التكتلات والتجمعات والبحث عن التقارب والتصالح بين الدول , ما تزال الخلافات العربية الإسلامية هي المسيطرة والسائدة , وفي عالم لم يعد فيه مكان إلا للوحدة والاتحاد , ما تزال الدول العربية متفرقة ومشرذمة , وفي وقت يتقارب فيه أعداء الأمس ويتصالح فيه خصوم الدهر , ما زالت المصالحة العربية بعيدة المنال رغم القواسم المشتركة التي تجمعهم , وأهمها وأعظمها وحدة الدين والعقيدة .

 

وها هو التقارب التركي الكردي يعطي درسا جديدا للعرب والمسلمين , بعد عشرات بل مئات الدروس العالمية في التصالح والتوافق والتقارب , بعد خلافات وتناقضات كثيرة وشديدة , بل وبعد حروب ودماء وأشلاء , كما هو الشأن في تشكيل الاتحاد الأوربي , والمصالحة البريطانية الإيرالندية , وعملية السلام التركية الكردية الأخيرة . وعلى الرغم من تاريخ الأزمة الطويل بين الفريقين , حيث تعود جذورها إلى زمن انهيار الدولة العثمانية وإقامة الجمهورية التركية الأتاتوركية , والتي لم تعترف يوما بالأكرد , وإنما كانت تنظر لهم على أنهم أتراك , وعلى الرغم من تاريخ الصراع المسلح بين الطرفين , والذي بدأ منذ عام 1984م , والذي خلف عشرات الآلاف من القتلى وتدمير كثير من القرى وهجرة الآلاف من جنوب شرق تركيا , إلا أن ذلك لم يمنع من جلوس الطرفين على طاولة الحوار للوصول إلى حل يحقن الدماء ويحقق مصالح الأتراك والأكراد معا .

 

كانت البداية منذ عام تقريبا , وتحديدا حين أعلن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان إطلاق عملية السلام الكردية التركية في مارس /آذار الماضي , وتم على إثرها وقف العمليات العسكرية من الجانبين , في حين كانت الخطورة العملية الأولى بوصول طلائع عناصر قوات حزب العمال الكردستاني من المناطق الكردية التركية إلى إقليم كردستان العراق , ليقابلها أردغان ببعض الإصلاحات والقرارات السياسية والخدمية , من خلال بعث الحياة في القرى والمدن الكردية , سواء بإعادة الخدمات أوفتح المدارس أوالإلغاء التدريجي للمظاهر الأمنية والعسكرية , إضافة إلى حزمة الإصلاحات الأردغانية السياسية الأخيرة , والتي تسمح بالمشاركة السياسية للجميع في تركيا .

 

 

ورغم وجود الكثير من العقبات والمعوقات الداخلية والخارجية , سواء على الصعيد التركي من خلال معارضة علمانيو تركيا المتشددين – حزب الحركة القومية الأتاتوركي - لعملية السلام هذه , أو على الصعيد الكردي المتمثل بمعارضة بعضهم لعملية السلام هذه , إضافة إلى بعض الخلافات الثنائية التركية الكردية في بعض التفاصيل , والتي لا تخلو من خلافات حول توقيت إلقاء السلاح الكردي , أو مسألة العفو عن المقاتلين الأكراد , أو ما شابه ذلك , فالشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال , أو على الصعيد الإقليمي , حيث المعارضة الإيرانية السورية العراقية لهذا الإتفاق , والذي يضر بمصالحهم إن تم .

 

على الرغم من كل ذلك فقد واصل الطرفان خطوات التوصل لاتفاق لحل الأزمة بينهما , فاستقبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردغان في منتصف نوفمبر الحالي بحفاوة كبيرة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في ديار بكر , وأمام عشرات الآلاف من الأشخاص أكد الزعيمان نيتهما مواصلة عملية السلام , فأكد أردغان (على أن أكراد تركيا مواطنون من الدرجة الأولى في تركيا الجديدة الخالية من التمييز , ولن يتقاتلوا مع الأترك بعد اليوم ) في حين قال بارزاني : (أطلب من إخواني الأكرد والأتراك دعم عملية السلام وهو ما نفعله بكل قوانا , حان وقت عيش شعوب الشرق الأوسط معا بعدما اختبرت الحروب التي لم تحمل خيرا لها , انتهت أيام إراقة الدماء بين الأكراد والأتراك ) .

 

ثم تأتي الخطوة الثالثة يوم الأربعاء الماضي بتوقيع حزمة من العقود الاقتصادية بين تركيا وإقليم كردستان العراق , يصدر بموجبها إقليم كرستان العراق النفط والغاز إلى الأسواق العالمية عبر أنانيب تمر من تركيا . وأفادت وكالة رويترز أن البدء بضخ النفط الكردستاني سيكون قريبا عبر تركيا , وأنه طبقا للعقود الجديدة الموقعة ستعمل شركة الطاقة التركية (تي إي سي) في 13 منطقة نفطية مشاركة مع إكسون موبيل الأمريكية , كما سيتم البدء في تصدير الغاز بداية العام 2017م , الأمر الذي سيساعد على زيادة صادرات إقليم كردستان العراق من النفط والغاز .

 

إنها المصالح التي تجمع المتفرقين وتقرب المتباعدين وتوقف عداوة المتحاربين , رغم الاختلاف في اللغة والتاريخ والقومية وربما العقيدة والدين والإيديولوجية , وهي لغة باتت ضرورية وملحة في عصر لا مكان فيه للدول الصغيرة الضعيفة , ولا اعتبار فيه للدول المتناحرة والمتحاربة , وإنما الكلمة الأولى فيه للتكتلات والتجمعات الاقتصادية والعسكرية , أو على الأقل للتفاهمات والتقاربات الإقليمية . فأين الدول العربية والإسلامية ذات العقيدة والدين الواحد , والتاريخ واللغة والجنس الواحد من هذا التقارب والتصالح ؟؟!!

 

ألم يحن الوقت لتدارك ما فات من الخلافات العربية والإسلامية التي لا مبرر لها ؟؟!! أم إن الوقت ما زال مبكرا للحديث عن تقارب عربي وإسلامي ناهيك عن وحدة شاملة هي حلم كل عربي ومسلم ؟؟!!