مراوغة النظام السوري
26 ذو الحجه 1434
تقرير إخباري ـ المسلم

إذا كان سياسيو دول العالم يستخدمون المراوغة والحيلة والدهاء في السياسة للمحافظة على مصالح بلدانهم وشعوبهم حتى لو كانوا على الباطل , فإن النظام السوري منذ أربعة عقود من الزمان يستخدم المراوغة والخداع من أجل التمسك والبقاء في السلطة والحكم على حساب دماء ومصلحة السوريين .
فمنذ أن اعتلت عائلة الأسد سدة الحكم في سوريا , والمراوغة والمكر والخديعة منهجا عاما لسياستها , ويبدو أن النظام السوري لم يعد يهتم - منذ فترة ليست بالقصيرة – لرداءة أداء وإخراج تمثيلياته السياسية الضعيفة , كما أنه لم يعد يهتم بمدى اقتناع السوريين أو العالم من حوله بما يقوم به من مراوغات ومكائد , فإذا كان في السابق يكذب ويكذب ويكذب حتى يصدق الناس كذبه على مبدأ وزير الإعلام النازي جوزيف غوبلز , من خلال ادعائه المقاومة والممانعة ضد اليهود والغرب وغير ذلك من المزاعم الوطنية والقومية , فإنه أصبح في الفترة الأخيرة غير مهتم بتصديق الناس لكذبه من عدمه , فالمهم عنده هو أن يكذب فحسب للوصول إلى أهوائه ومطامعه .
لقد تنازل هذا النظام عن السلاح السوري الاستراتيجي في مواجهة العدو الصهيوني الإسرائيلي حين أحس بخطورة البقاء على كرسي الحكم في سوريا , فسلم السلاح الكيماوي للعدو المعلن منذ عقود – أمريكا والغرب وإسرائيل – مقابل تركه يعيث في سوريا تدميرا وفسادا وإفسادا , وفي أهل السنة - تحديدا - قتلا وتنكيلا وتعذيبا , وماذا يريد العدو من العميل أكثر من ذلك ؟!!
وقد كانت آخر حيله للبقاء في السلطة والحكم التحضير لما يسمى بمؤتمر جنيف2 , والذي رُسمت بعض ملامحه بتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات من المعارضة والحكومة , مما دفع النظام السوري لتهيئة المعارضة المناسبة والموالية له مسبقا , والتي تم تسميتها منذ بداية الثورة السورية (بمعارضة الداخل) .
وكان من أبرز رموز ما يسمى بمعارضة الداخل قدري جميل , الابن البار لروسيا , فقد درس وتخرج من جامعة موسكو , وهو إضافة لذلك شيوعي لينيني حتى النخاع , فهو عضو في الحزب الشيوعي السوري منذ عام 1966 , وعضو اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين منذ تأسيسها عام 2002م , وقد أنشأ حزب الإرادة الشعبية في عام 2002م كذلك .
وقد نفذ جميل كل ما طلب منه من قبل النظام السوري داخليا في الفترة السابقة , فقد شارك وضع دستور 2012م , كما شارك في الحكومة الحالية حيث كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية , وكان مثالا نموذجيا لمعارضة الداخل المصنوعة على عين النظام ورعايته .
وقد رأى النظام - مع حليفته روسيا - أنه حان الوقت لخروج قدري جميل من كنف النظام بطريقة كوميدية هزلية , تجعل منه معارضة مهجنة قابلة للتمثيل مع النظام في مؤتمر جنيف2 لتشكيل الحكومة الانتقالية المستقبلية , فأصدر بشار الأسد مرسوما بإقالة قدري جميل من منصبه بشكل مفاجئ أثناء زيارة الأخير لروسيا منذ أيام , ليبدو الأمر أمام العالم وكأن جميل قد خرج من عباءة النظام وأصبح معارضا لها بين ليلة وضحاها .
ولتبرير المرسوم المفاجئ وغير المنطقي قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" : إن من أسباب الإعفاء غيابَ جميل عن مقر عمله دون إذن مسبق، وعدم متابعته لواجباته التي كلف بها كنائب اقتصادي في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد ، إضافة لقيامَه بأنشطة ولقاءات خارج الوطن دون التنسيق مع الحكومة , وتجاوزَه العمل المؤسسي والهيكلية العامة للدولة , في إشارة للقاءه السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد لبحث التحضيرات لعقد مؤتمر جنيف2 .
ولإضفاء نوع من المصداقية على هذه التمثيلة الهزلية , كان لا بد من بعض التصريحات المعارضة للحكومة من قبل جميل , الذي صرح من قناة روسيا اليوم بأنه يمثّل خلال لقاءاته في جنيف بمسؤولين من وزرة الخارجية الأميركية "جزءا هاماً من المعارضة السورية في الداخل" ، مشدداً على أن موقف حزب "الإرادة الشعبية" و"الجبهة الشعبية" كان ولا يزال أنّ "خروجنا من الحكومة أسهل من دخولنا إليها" .
وفي حديث مع جريدة "الأخبار" قال جميل : "لست موظفاً حتى أتنازل عن استقلاليتي كفريق سياسي , أنا في الحكومة كممثل للحزب , ولا أنتظر موافقة الحكومة على الاتصالات السياسية" , واعتبر أنّ لقاءه مع الأميركيين كان مفيدا، وأنّه لقاء تعارفي , مضيفا : "هم يتهموننا بأننا من النظام ولسنا معارضة، ونحن قلنا لهم إنكم تعملون على استبدال البعث كحزب قائد بالائتلاف كحزب قائد" .
كان لا بد لمثل هذه التصريحات لإقحام قدري جميل وحزبه في معارضة الداخل وبالتالي في مؤتمر جنيف2 , ولكنها جاءت مكشوفة وممزوجة من قبل السوريين وغيرهم , وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على عظم حجم المؤامرة الدولية على هذه الثورة المباركة , وضخامة الكيد والمراوغة التي تتعرض لها , ليس من قبل النظام السوري فحسب , بل من قبل روسيا وأمريكا والغرب وإسرائيل لإبقاء الأسد أو أتباعه في السلطة .