أنت هنا

ذكرى سبتمبر بطعم جديد!
7 ذو القعدة 1434
موقع المسلم

في الزلازل الأرضية تكون القوة الاهتزازية هي الأعلى بين التبعات الارتدادية لها، ويتعذر أن تفوق الهزات الارتدادية في قوتها على مقياس ريختر الزلزال الأصلي!
لكن في عالم السياسة، الأمر مختلف!
حينما انقشعت آلاف أطنان من غبار ركام برجي التجارة العالميين، أعلنت السلطات الأمريكي أن نحواً من ثلاثة آلاف أمريكي قد قتلوا في اصطدام الطائرتين بالبرجين، وكشرت واشنطن عن أنيابها للعالم وشرعت في غزو بلد تلو آخر تحت ذريعة أن الدولة العظمى "تتصرف كأسد جريح" وفقاً لما تم ترويجه من دعاية حينئذ!
حطت آلاف من الأطنان من آليات عسكرية مقابل نظيرها من غبار البرجين في أفغانستان والعراق وباكستان وأقلعت أسراب من الطائرات فوق تلك الدول وغيرها باسم محاربة الإرهاب، وعندما شربت أمريكا من الدم العربي والإسلامي كان نحو مليوني مسلم قد قضوا نحبهم في كل الدول التي استهدفتها الطائرات والصواريخ الأمريكية..
تولت واشنطن بنفسها مهمة "مكافحة الإرهاب" فعاثت في أفغانستان والعراق وباكستان واليمن قتلاً وحرقاً وتدميراً، خالطة هدفها في بعض الأحيان بأهداف أخرى كتقديم نموذج للديمقراطية ومساعدة الشعوب على تقرير مصائرها بذاتها، لكن بعد مرور اثني عشر عاماً لا "الإرهاب" بمفهومه الأمريكي كوفح، ولا الديمقراطية تحققت؛ فلقد عادت الجماعات المتهمة بممارسة الإرهاب فتية بعد أكثر من عقد من الزمان تسقي أدبياتها بانتهاكات الأمريكيين ودأبهم على ضمان أمن "إسرائيل" ضاربين بمصالح الشعوب عرض الحائط. وأما الديمقراطية؛ فقد أخفقت الولايات المتحدة في تقديم نموذج يحتذى لها في العراق، وهو البلد الذي حاولت "أنمذجته" ديمقراطياً في المنطقة، علاوة على أفغانستان الذي مثلت "ديمقراطيته" الأمريكية حالة طريفة من الديمقراطية الوهمية؛ فالعراق سلم لإيران باسم ديمقراطية عرجاء تفرض طهران إرادتها فيها رغماً عن الشعب العراقي، وأفغانستان جسد تكريساً للهيمنة القبلية على الصراع السياسي وقوة التأثير الخارجي على الداخل..
وبعد تلك السنين بدت واشنطن أكثر حرباً للديمقراطية منها إلى تشجيعها، وممارساتها الانتقائية وانحيازها إلى الأقليات في المنطقة إبان ما قد سمي بالربيع العربي أماط اللثام عن وجه قبيح يغذي "الإرهاب" ويكبح تطلعات الشعوب نحو امتلاك إرادتها واستقلالها الوطني.
رفعت الولايات المتحدة استعداداتها في ذكرى سبتمبر هذا العام لسببين؛ أحدهما يتعلق بالذكرى الأصلية والآخر بذكرى الهجوم على قنصليتها ببنغازي وقتل سفيرها؛ فقطاع من الشعب الليبي اعتبرها بعد تدخلها وانحيازها الاعتيادي للعلمانية عدواً رغم تدثرها بالعمل على تحرير الشعب الليبي من طغيان القذافي؛ ففوضاها التي نشرتها في المنطقة لم تحد مما تسميه بالإرهاب بل وطنته؛ فلقد صارت ذريعتها بمكافحته شأناً إقليمياً شاغلاً، وعنواناً لكل إقصاء وتمييز ضد الغالبية الكاسحة من الشعوب الإسلامية، وصدرت واشنطن تلك اللافتة لكل طاغية يحكم بلاده بالحديد والنار؛ فبشار اتخذ من شعار مناهضة الإرهاب عنواناً لذبح الآلاف من أطفال شعبه ونسائهم.. وكذلك فعل القذافي، وكذا يتم التصدير لمصر وتونس والجزائر وهلم جرا.
لقد عولمت أمريكا الاستبداد والسلطوية باسم مكافحة الإرهاب تحت مظلة سبتمبر وتوابعها، واتقت بذلك تطلعات الشعوب نحو استقلال بلدانها عن التبعية الأمريكية، فحلت ذكرى سبتمبر الآن، والعالم "أكثر إرهاباً" واحتقاناً وفوضى ليست خلاقة!!