
منذ اندلاع الثورة في سوريا، يدور الحديث، ولأول مرة بهذه الكثافة والجدية حول التدخل العسكري، بعد أن تجاوز النظام السوري جميع الخطوط الحمراء واستخدم السلاح الكيميائي لقتل مئات الأطفال والرجال والنساء. وبدأت في الوقت نفسه الأسطوانة التي سئمنا من كثرة الاستماع إليها تدور وتقول «لا للتدخل في سوريا».
نعم، هم لا يريدون التدخل العسكري في سوريا ولا يريدون أن يُقتل الأطفالُ على أيدي قوات النظام وشبيحته، ولكن المشكلة أنهم لا يعرفون أيضا كيف سيتم ذلك؟ فقط يرفضون، وإذا سألتهم عن الحل والبديل لا تجد لديهم أي جواب منطقي.
أحدهم يرفض التدخل العسكري في سوريا لأنه في الحقيقة من أنصار النظام السوري، ولكنه يخجل من أن يصرح بذلك. والثاني لا يقبل فكرة التدخل الخارجي لأنه يعارض الإمبريالية الأميركية ولكن لا مانع لديه من الإمبريالية الروسية أو التدخل الإيراني السافر. والثالث يكره الحروب ويتمنى أن يعم السلام ولا يقتل أحد أحدا، ولكنه لا يرى أن هناك حربا تجري على قدم وساق وشعبا يباد في سوريا. والرابع لا يثق بالولايات المتحدة والمجتمع الدولي، ويعتقد أن التدخل العسكري سيستهدف الثوار والمجاهدين وليس النظام السوري. وكلهم يهتفون بصوت واحد: «لا للتدخل!»
وبعضهم لا يرى مانعا للتدخل العسكري في سوريا لوقف مجازر الأسد وشبيحته، بشرط أن يكون هذا التدخل عربيا أو إسلاميا، وكأن الدول العربية والإسلامية قادرة على التحرك العسكري دون الحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وكأن أطفال سوريا لديهم وقت كافٍ لتحقيق مثل هذه الأحلام والفانتازيات. وآخرون يؤيدونه بشرط ألا تشارك فيه بلدانهم حتى لا تتأثر من آثاره السلبية المحتملة، وأن تقوم بهذه المهمة الإنسانية بلدان أخرى.
ومن السهل على من يتابع الأحداث والمجازر وهو جالس في بيته يحتسي القهوة أو الشاي ليعبر في مواقع التواصل الاجتماعي عن رفضه للتدخل العسكري في سوريا ولكن، يا ترى ما شعور أطفال سوريا ورجالها ونسائها وهم ينتظرون أن ينزل عليهم في أية لحظة برميل متفجر أو صاروخ يحمل رأسا كيميائيا، وما رأيهم في التدخل العسكري؟
كان المطلوب من المجتمع الدولي أن يتدخل في سوريا منذ اللحظة الأولى لمنع ارتكاب النظام المعروف بدمويته كل تلك المجازر المروعة في حق الشعب السوري إلا أنه تجاهل وظل متفرجا طوال هذا الوقت على قتل عشرات الآلاف من السوريين العزل، مكتفيا بالإدانة والاستنكار. وأي تدخل عسكري الآن ضد النظام السوري سيكون بلا أدنى شك تدخلا متأخرا، ولكنه من يأتي متأخرا خير من ألا يأتي أبدا.
صحيح أن هناك الكثير من علامات الاستفهام حول توقيت التدخل العسكري وأهدافه، هل هو لإسقاط النظام السوري أو لضرب الثوار والمجاهدين وسرقة الثورة، وهل هو لحماية أرواح السوريين أم لحماية أمن إسرائيل ومصالحها؟ ويمكن أن تضاف إلى هذه الأسئلة أسئلة أخرى. ولكن السؤال الأهم هو: «هل أمام السوريين خيار آخر لحماية أنفسهم وأطفالهم من أسلحة النظام الكيميائية؟» لأن الثوار لا يملكون قدرات وإمكانات كافية تضمن عدم تكرار مجزرة الغوطة أو وقوع مجازر أخرى أكبر منها. وإن استخدم النظام السوري -لا سمح الله- الأسلحة الكيميائية التي بيده لتغيير موازيين القوى فلن تبقى هناك على الأرض ثورة تسرق.
إن كانت العملية العسكرية ضد النظام السوري شرا فهو شر لا بد منه لإزالة ما هو أشر. وإن صح التعبير فإننا أمام خيارين أحلاهما مر. وأما الدعوات إلى تسليح الثوار بأسلحة متطورة بدلا من التدخل العسكري فلا تشكل خيارا لأن الدول التي تملك تلك الأسلحة هي ذات الدول التي يرفضون تدخلها. كما أن التذكير دائما باحتلال أفغانستان والعراق فلا معنى له لاختلاف الظروف والأساليب، إذ لن يكون هناك اجتياح بري، بل ستكون العملية العسكرية ضد النظام السوري على شكل ضربات جوية وصاروخية لأهداف محددة. وإن كان ولا بد من ضرب الأمثلة فعلينا ألا ننسى نجاح التدخل العسكري في كوسوفو وليبيا.
نعم، للتدخل العسكري في سوريا حتى لا ينفرد نظام الأسد وحلفاؤه الشياطين بالشعب السوري الذي لا حول له ولا قوة أمام صواريخ سكود والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية وآلة القتل الجماعي. نعم للتدخل العسكري لاجتثاث هذا السرطان من جسد سوريا الحبيبة، لتبدأ مرحلة جديدة يعود فيها اللاجئون إلى بيوتهم وتنطلق عملية إعادة بناء البلد على أسس سليمة وبمشاركة الجميع. نعم، وألف نعم، لينام أطفال سوريا دون أن يخافوا من أسلحة كيميائية تختطف طفولتهم وهم نيام.
المصدر/ العرب القطرية