أنت هنا

تونس في عنق الزجاجة
26 شوال 1434
موقع المسلم

اليقين هو أن تونس في عنق الزجاجة..الشك هو في أن مغادرتها إلى داخل الزجاجة أم خارجها!

لم تزل الأزمة التونسية محتدمة برغم كل محاولات حلها من قبل الأطراف الحريصة على استقرار البلاد وحريتها..

قبل شهرين كانت تونس ماضية بسرعة نحو محاكاة النموذج المصري في تغيير نظام الرئيس محمد مرسي، وبدت القوى العلمانية عازمة على الإطاحة بحكومة علي العريض (الترويكا الحاكمة) وإبعاد حركة النهضة عن الحكم في البلاد، وحل المجلس التأسيسي، بيد أن هذه المساعي قد اصطدمت بحقائق الجوار؛ فما حصل في الجوار المصري لم يكن مشجعاً للقوى الشعبية على التماهي كثيراً مع مطامح حركة تمرد والقوى السياسية اللائكية في تغيير الحكومة والمجلس التأسيسي؛ فساحة الاعتصام التي ضمت الفئتين المتنافستين سياسياً مع فاصل أمني، ساحة باردو، لم تعد على سابق عهدها بداية الاحتجاجات، فالمتعاطفين من الشعب دون كثير تدقيق هيجت مخاوفهم القلاقل الحاصلة في دول الربيع العربي،لاسيما مصر، غير أن القوى اللائكية لم تزل مصرة على تغيير الحكومة الحالية ومنع الانتهاء من الدستور، بطريقة "شعبوية" على غرار ما حصل في مصر قبل ستين يوماً.

الاتحاد العام للشغل الذي بات يلعب دور وسيط غير نزيه بين "الترويكا" الحاكمة، والمعارضة التي تطالب بإطاحة الحكومة وإعادة صياغة الدستور وحل المجلس التأسيسي وعزل الولاة والمعتمدين وكبار المسؤولين الذين قبل إنهم قد نصبوا "على أساس الولاء الحزبي"، يتلقى الردود من طرفي النزاع على نحو قد كشف مؤخراً عن حالة من التراجع الحاد لدى طرف الترويكا، برغم ضعف المعارضة شعبياً، للحد الذي جعله يقبل بحل الحكومة الائتلافية الحالية وإحلال أخرى بدلاً منها في غضون شهر من الآن على حسب ما تسرب من معلومات حتى اليوم، والمباشرة بأخذ تعديلات الدستور موضع الاهتمام.

لا تقيس حركة النهضة الحالية موازين القوى بعد أسابيع من تغيرات الجوار الهائلة بمعيار شعبي منفرد؛ فلقد أدركت صعوبة الإبقاء على حكومة لا تقبلها الجهات المتحالفة مع الغرب، وعلمت أن قضية الدستور مسألة حاسمة لا يمكن للائكيين تمريرها تحت أي ظرف من الظرف، ما لم تحقق أكبر قدر من تغليب اللائكية على "الإسلامية".

وبدت هنا المفارقة.. تراجع شعبي للمعارضة مع استجابة وخضوع واضح لمطالبها، إذ لم تعد الديمقراطية هي المعيار الحاكم الآن في معظم دول المنطقة، وإنما صار السائد هو منطق القوة، والتغيير العاصف بالأنظمة المنتخبة في مشهد يخلط ما بين القوة والشعبوية.

ولربما صارت تونس مقبلة على أيام صعبة في ظل اضطراب لا سقف له ولا منظومة سياسية توافقية للحكم احتكاماً إلى الصناديق، ولعل من يتابع الآن الأجواء التي تعيشها تونس هذه الأيام بكل ملابساتها وأدواتها وتتابعاتها يدرك أن تونس الخضراء تحاول أن تتجنب "الاحمرار" بشتى الطرق، لكن ثمة من يدفع في هذا الاتجاه بقوة، طمعاً في أن يحل سريعاً على مقاعد الحكم دون أرضية شعبية واضحة..