العزلة السياسية أم المواقف المخزية؟
20 شوال 1434
إسماعيل باشا

كثرت في الآونة الأخيرة في الإعلام التركي الانتقادات الموجهة إلى السياسة الخارجية للحكومة التركية واتهامها بأنها جعلت تركيا تعيش في حالة من «العزلة السياسية»، سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي، بسبب مواقفها من القضايا المختلفة، مثل الثورة السورية والأزمة المصرية.

 

وقبل اتهام الحكومة بالعزلة السياسية، كانوا يتهمون وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ونظريته المعروفة بـ «تصفير المشاكل»، ويقولون إن الحكومة رفعت راية «تصفير المشاكل» مع الجيران وانطلقت من هذا المبدأ، ولكن ما وصلت إليه هو الوقوع في «المشاكل مع جميع الجيران». والحديث عن «فشل سياسة تصفير المشاكل مع الجيران» ترك هذه الأيام مكانه بعد موقف أنقرة من الانقلاب العسكري في مصر، إلى الحديث عن «العزلة السياسية إقليميا ودوليا».

 

وفي نظر بعض هؤلاء الكتاب والمحللين، يجب أن يتوافق الموقف التركي مع الموقف الأميركي، وأن تنظر أنقرة إلى واشنطن لمعرفة موقفها قبل اتخاذ أي موقف إيجابي أو سلبي في أي قضية، ومن ثم تبني موقف لا يتعارض مع ذاك الموقف الأميركي. وتنبع معارضة هؤلاء للسياسة الخارجية التركية في بعض القضايا من تبعيتهم لواشنطن، وبالتالي لا قيمة لأقوالهم بشأن العزلة السياسية، لأنهم لن يرضوا عنها ما لم يتوافق موقفها مع الموقف الأميركي، حتى ولو وقفت معظم الدول في صف تركيا.

 

وهناك آخرون يشعرون فعلا بالقلق حول مستقبل بلدهم في ظل الأحداث الدامية والنيران المشتعلة بالمنطقة، ويعبرون عن استيائهم من نشوء أزمات مع كثير من جيران تركيا ودول المنطقة، ولكن المشكلة أن هؤلاء أنفسهم يعيشون في «حالة من التناقض» في تعاطيهم مع ما يحدث في سوريا ومصر، لأنهم ينتقدون الغرب والمجتمع الدولي بالازدواجية والتأييد الضمني للانقلاب العسكري وغض الطرف عن مجزرة فض الاعتصامات في مصر والتلكؤ في إدانة استخدام السلاح الكيماوي في مجزرة الغوطة، ويعترفون بأن موقف الغرب والمجتمع الدولي من كل هذه الأحداث موقف خاطئ ومخز، ثم ينتقدون حكومة أردوغان لأن موقفها يختلف عن موقف الغرب والمجتمع الدولي!

 

تُرى، هل يريد هؤلاء أن تتبنى الحكومة التركية موقفا مشابها في سوريا ومصر كتلك المواقف التي ينتقدونها؟ وهل يريدون من تركيا أن تعلن تأييدها للانقلاب العسكري ولا تدين المجازر وأن تغلق الحدود أمام اللاجئين السوريين وتظل متفرجة على ما يدور في سوريا؟ أليسوا هم أنفسهم من يستنكرون مثل هذه المواقف؟!

 

إن المعقول أن تذكر ما هو الصحيح والمطلوب حين تنتقد موقفا معينا، أما أن تنتقد الحكومة لأنها لم تتبنَّ الموقف الخاطئ الذي أنت بنفسك تراه خاطئا، فما سمعنا بهذا في الأولين.
والمضحك المبكي، أن هؤلاء كانوا بالأمس القريب يتهمون الحكومة التركية بالاصطفاف مع دول الخليج بسبب دعمها للثورة السورية، ولكنهم يتهمونها اليوم بأنها لا تصطف مع تلك الدول في دعم الانقلاب العسكري في مصر. وهذا تناقض يجعل الحليم حيران!

 

في الحقيقة، تركيا لا تعيش عزلة سياسية كما يتوهم المنتقدون، بل تقف معها دول إقليمية ودولية –مثل قطر- تحترم إرادة الشعوب ولا تكيل الأمور بمكيالين، كما أن الأغلبية الساحقة من شعوب المنطقة وأحرار العالم تؤيد هذه المواقف المشرفة وتعلق عليها الآمال. وأما المشاكل الحالية مع بعض الجيران ودول المنطقة فليست تركيا هي البادئة والسبب في نشوئها، بل السبب وقوف تلك الدول إلى جانب القتلة والسفاحين ودعمهم للمجازر المروعة وقمع الشعوب. وفي النهاية، هي مواقف مبدئية وأخلاقية وإنسانية تعبر عن إرادة الشارع التركي ولا تتعارض مع مصالح البلد. ومن غير المقبول مطالبة حكومة أردوغان بأن تجعل تركيا «خروفا في القطيع» وعدم تبني سياسات ومواقف مستقلة، لأن هذا لا يتناسب مع حجم البلد وتاريخه وتطلعاته ودوره الإقليمي المتصاعد.

 

المصدر/ العرب القطرية