19 ذو الحجه 1434

السؤال

أنا رجل متزوج وعندي 4 أولاد، لكنني وقعت في الخطيئة مع رَجُلٍ صديقٍ لي، وأصبحت أمارس معه الفحشاء، وتطور الأمر فصار بشكل منتظم، أحاول التوقف ولا أستطيع، سامحوني فإنني أريد التوبة من هذا اللعن والدنس.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

ترددت كثيرا في كتابة الرد على هذه الاستشارة وكلما هممت بكتابة رد عليها ازداد عنها بعدا لبشاعتها ولعدم رغبتي في تصديق ما جاء فيها، فالجريمة بشعة بكل المقاييس ولا يمكن التهاون فيها ولا التعاطف مع مرتكبيها ولا ينبغي للطرفين أن يتهاونا في حق أنفسهما ولا أن يحدث التعاطف بينهما كل على حدة حتى لو اشتركا في نفس الفعل القذر المدنس لهما.
فالرغبة الجنسية أمر فطري ومعتبر في الإسلام، ولهذا لم يصادم الشرع الإسلامي الفطرة الإنسانية في تشريعه وتقنينه لقضاء الوطر ولتفريغ الرغبة الجنسية في موطئها الشرعي الطبيعي الذي أحله الله.
والرغبة الجسدية ليس لها وجود معتبر في الإسلام إلا عند اختلاف النوعين الذكر والأنثى ولا تكون لهما وسيلة شرعية لتصريفها إلا بالزواج الشرعي الذي جعله الله سكنا نفسيا وجسديا وعاملا أساسيا لبناء الأسر وهي لبنة المجتمع القوية التي تساهم في بنائه وقوته.
ولكن عندما تنحرف الفطرة الإنسانية وتتحول إلى عمل خبيث لا تستسيغه ولا تفعله الحيوانات التي تتهم دوما بالسعي خلف شهواتها وإطفاء غرائزها لتتحول العلاقة الجنسية إلى علاقة دنسة بين ذكرين، نعلم حينها أن الفطرة الإنسانية قد انتكست وان خللا كبيرا وشديدا قد طرأ عليها، وحينها يجب التوقف الشديد مع هذا الخلل والسعي الحثيث للتخلص منه بأي وسيلة ممكنة مهما كانت التضحيات فيه والتي مهما بلغت لن تعادل أبدا الوقوع في هذا الدنس المستمر.
إن هذه الجريمة البشعة لم تكن معروفة في التاريخ الإنساني قبل قوم قرية سدوم، فقال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله سبحانه: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}: "لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور. وهذا شيء لم يكن بنو آدم يعهدونه ولا يألفونه، ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل "سدوم" عليهم لعائن الله".
ولم يدر بخلد أحد من العرب أو المسلمين الأوائل إمكانية وقوع هذه الجريمة التي تستقذرها النفوس السوية، فلا تكاد تصدق بوجودها حقيقة في دنيا الناس، كما قال بعض السلف: لولا أن الله عز وجل قص علينا خبر لوط ما ظننت ذلك يحصل".
حقاً إنها كبيرة تستوجب لعنة الله وغضبه، ولعنة الملائكة الكرام والناس أجمعين، لأنه فعل شائن يتنافى مع العقل السليم والذوق المستقيم ويدل على ان صاحبه قد خلع جلباب الحياء والمروءة وتخلى عن سائر صفات أهل الشهامة وتجرد حتى من عادات البهائم بل أقبح وأفظع من العجماوات فناهيك برذيلة تتعفف عنها الكلاب والحمير والخنازير فكيف فعلها ممن هو في صورة كبيرة بل هو أسفل من قدره وأشأم من خبره، وأنتن من الجيفة القذرة وأحق بالشرور وأولى بالفضيحة من غيره وأهل للخزي والعار.
ثم إن اللواط من أقبح الجرائم وأشنعها، وفاعله والمفعول به يستحق كل منهما القتل، روى الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من وجدتموه يعمل عمل قول لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به.
وجاءت هذه الاستشارة لتزيد الألم وتضاعفه فيها عدة نقاط مزعجة ومؤلمة منها:
أولا: صدورها من رجل يزيد عمره عن الأربعين وهو سن كمال الرجال وسن الرشد في التدبير والعودة إلى الله كما قال سبحانه: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، فكيف به في هذه السن وبعد ابتعاده عن سن الشباب الغر الصغير الذي يتسم بالطيش في التصرفات، كيف به أن يقع في هذا الإثم العظيم والكبيرة الفاحشة وهو في هذه السن؟
وثانيا صدورها من رجل محصن متزوج ولديه أبناء، أي ان هذا الرجل قد من الله عليه بتكوين أسرة ولدية زوجة أحل الله إتيانها في موطئ الحرث ليجد لديها صرفا لرغبته وعفة لنفسه، فعندها يجد مبتغاه وتستريح نفسه وتكبح جماحها، فالزوجة هي الباب الذي يسره الله للزوج إن رأى ما يثير نفسه - رغما عنه - في الطرقات أو في أي مكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه " [1].
ويلاحظ أن الحديث الشريف يتحدث عن رجل وامرأة،، ولا حديث البتة عن علاقة للرجال مع الرجال فيها، فهذا دنس لم يخطر ببال أحد أن يتطرق القول إليه.
وأما ثالثها: فهو إضرار هذا الفعل بالعلاقة الزوجية التي احترمها الشارع الكريم من جهتين، فالزوجة ستجد نفسها دوما ليست محل جذب اهتمام زوجها وأنها مهما فعلت وتحببت وتزينت لن تنال منه إلا النذر اليسير وربما قد يبتعد عنها بالكلية فيهدم البيت وتقوض الأسرة ويضيع الأبناء بين خلافات بين الأبوين لا يعرفون لها سببا ولا حلول ولا نهاية، ومن الجهة الثانية قد يستمرئ الزوج الموضع المحرم الآخر الذي اعتاد عليه فيطالب زوجته بإلحاح أن يطأها فيه فتتحول العلاقة التي أحلها الله له لعلاقة محرمة ملعونة في ذاتها مجلبة للعنة على الزوجين بعد فعلها والرضا بها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، أو أتى امرأته حائضاً، أو أتى امرأته في دبرها، فقد برئ مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم"[2]. وفي رواية "ملعون من أتى امرأته في دبرها"، ويكفر من يستحلها ويعتقد أنها مباحة بين الزوجين أو غيرهما.
فالفعل كله منكر وفاعله ملعون ناهيك عن ضرره النفسي والأخلاقي والقيمي الذي يصاب به الفاعل والمفعول به معا والذي قد يتطور بينهما إلى أن يتبادلا أدوارهما لتنتهي كل كرامة للإنسان الذي بدأ هذا الفعل المشين الدنس.
وعلى السائل أن يتخذ بعض أمور للتخلص من هذا الخبث
- أن يحرق الندم من قلبه أثر هذا الذنب الفاسد , ويمرغ وجهه ساجدا تائبا للعزيز الجبار سبحانه , وأن يجعل هدفه في دنياه قبول توبته , وطهارةنفسه .
- يجب أن يسال السائل نفسه بصدق هل يريد التخلص من هذا الدنس أم أنه يريد أن يبرئ ساحته فقط ويدعي انه لا يستطيع الامتناع عن ذلك، فالوقوف بحزم مع هذا السؤال سيؤدي بنا إلى خطوات أخرى قادمة، فان كان صادقا في ذلك فيمكنه بعد الاستعانة بالله التخلص من هذا الخبث، أما إن كان يسال ليخفف الضغط عن نفسه ويتظاهر بالمقاومة ثم يعلن عجزه فلا داعي أن يجهد نفسه في قراءة ما تبقى من خطوات
- السائل لا يقول أن هذا الفعل متكرر مع أشخاص عدة فلا يزال على استمراء هذا الفعل مع فرد واحد بعينه، ومن هنا يجب بتر هذا الشخص من حياة السائل بترا نهائيا لا رجعة فيه، وأن يبتعد عن أي لقاء معه أو اتصال به في حل أو في ترحال، ويجب عليه إسقاطه تماما من حسابات معارفه مهما كانت محاولات الآخر للعودة، ومهما كانت الخسائر المادية أو الأسرية المترتبة على ذلك البتر لو كانت هناك علاقات مادية أو أسرية بينهما، فهذا النصح هو الذي نصحه العالم لقاتل المائة نفس بأن يبتعد تماما عن ارض السوء فلا نجاة له إلا بتركها تماما والانخلاع عنها.
- يجب أن يكون القرار فوريا لا تدريجيا وحاسما ليس فيه لين ولا تردد وبلا تقديم، فشبهة التدريج واللين هنا ستكون فكرة شيطانية لتحاول الالتفاف على السائل لتعيده إلى نفس الدائرة الخبيثة.
- يجب أن يكون القرار فرديا غير متصل بقرار الإنسان الآخر، فلا تستجب لفكرة معاونة أحدكما للأخر، فشبهة النصح والتعافي معا والأخذ بيده أيضا فكرة شيطانية هنا لتستمر العلاقة في تحسن قليل ثم عودة بطيئة في البداية ثم تعود إلى سابق عهدها وربما أعنف، فليس لك شأن به، سواء استمر في الفعل أم تركه استقام أو لم يستقم، فلا يشغلك شأنه عن شأنك وملاقاة ربك، فصداقتكم هذه ليست صداقة بل هي عداوة حقيقية ستراها ماثلة أمامك يوم القيامة {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} فخلة بلا تقوى عداوة حقيقية.
- ما فعلته هو كبيرة عظيمة من كبائر الإثم تهتز لها السموات والأرض، فتب إلى ربك توبة نصوحا بالندم حتى يحرق الندم من قلبك اثر الذنب فتكرهه وتبغضه، واترك الذنب تركا فوريا، وانو ألا تعود إليه ابدا، وأكثر من ذكر الله سبحانه واستعن به واجتهد في الدعاء وأكثر من الصيام والنوافل وشهود الجماعات وزيارة المقابر واجعل لنفسك وردا من كتاب ربك لا تتركه يوميا واجتهد في صلاة الليل ولو لركعتين تطلب فيهما الصفح والغفران والتثبيت من ربك على الصلاح والتقوى.
- يصعب أن توجد مثل هذه الحالة بغير مثيرات كمشاهدة الصور الماجنة، فامتنع عنها تماما واحرص على غلق كل باب لها حتى تضعف مثيراتها في نفسك ومن ثم تخمد هذه الفتنة داخلك.
- وثق علاقتك بزوجك وان لم تكن مرضية لك فحاول أن تصلح من شأنها، أو إن رأيت حاجة في زواج آخر، فزواجك الحلال لا يمكن إنكاره عليك مع قدرتك وعدلك، واجتهد في تصريف طاقتك في موضعها الذي أحله الله على قدر استطاعتك حتى لا ترى لك رغبة في مثل هذه العلاقة المستقذرة، وتجنب تماما الموضع الذي حرمه الله من زوجتك.
_________________
[1] رواه جابر وهو برقم 1403 صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها.
[2] رواه أبو داود وصححه الألباني.