12 شعبان 1443

السؤال

أنا أم أعاني مع ولدى الحبيب إلى قلبي والذي لا يجعلني أُعَبِّر له عن حبي إلا في أوقات قليلة وتكون خارج البيت.. ابني عمره 12 سنة ويرفض أي التزام أو قواعد أو أن يسير على أي منهجية، سواء في الصلاة أو ترتيب ملابسه أو غرفته أو أي شيء يكون عليه إلزام. هو متفوق جداً ويعتمد على ذلك؛ فهو يذاكر أقل القليل ويتفوق.. أتمنى منه أن يلتزم بأسلوب في التعليم ويداوم عليه؛ ليكون عنده منهجية ليس فقط فكرة التعليم أثناء الدراسة؛ فهذا الموضوع يؤثر على نفسيتي كثيراً ويجعلني أرفع صوتي وأصرخ، وبعدها أنهار في البكاء، وأشعر بان نظراته لي تكون نظرات شفقة، وهذا أرفضه. أرجو الرد فأنا أشعر أني داخلة في حالة اكتئاب غريبة، خاصة أن زوجي مسافر وأنا أعمل كل احتياجات البيت بمفردي وأيضاً أشتغل.. جزاكم الله عنى خيراً

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد: بداية نشكر لك اختنا الفاضلة مراسلة موقع المسلم ونعتز بثقتكم في مستشاريه ونسال الله أن يجري الحق على ألسنتنا وأن يهدينا للصواب في القول والعمل: والحق اختنا الكريمة فأتفهم تماما ما تعانيه مع ولدك الذي يبدأ رحلته مبكرا في عالم المراهقة المرهقة لك وله وأسال الله أن يعينك عليه وعليها. وبالفعل فما تعانيه من مشكلة حقيقية مع ولدك جديرة بالتوقف والبحث والسؤال وقبلهم الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه ليفرج عنك ما أنت فيه. ولقد كتبت في هذا الموضوع مقالتين أنصحك بقراءتهما بروية وتأن لعل الله يفرج بهما عنك وتجدين فيهما مع هذا الرد ما يصلح لما تعانيه مع ولدك وأنصح بقراءتهما على هذا الترتيب

1- الأب والأم ومخاطر تبادل الأدوار

2- بناء الجدران أم بناء الإنسان

ولا شك بأن المشكلة الأولى والاهم بالحديث وهي التي جلبت كل المشكلات بعدها هي مشكلة غياب الأب عن البيت وعن العملية التربوية بأكملها، فوجود الأب ضروري جدا في حياة أبنائه سواء الذكور أم الإناث في مرحلة المراهقة وما بعدها إذ أن دور الأم يجب أن يختلف ويتكامل مع دور الأب، ويصبح قيام الأم بالدورين معا لأغلب الوقت مرهقا نفسيا عليها إذ عليها أن تتخلى عن الدور الحاني لأحيان كثيرة، وتتقمص الدور الآخر الذي يفترض فيه الحزم والشدة وكثير من الضبط، وبالتالي ترهق الأم بدنيا وعصبيا ونفسيا وتشعر في كثير من الأحيان بعدم القدرة على إكمال الطريق أو أنها تصل لنقطة تشعر فيها بفشل كل الجهود التي تبذلها مع أبنائها وقد تتحامل على نفسها وتكتم داخلها ما تعانيه فتشعر كما ذكرت أنها قد دخلت في مراحل الاكتئاب، وهذا ليس صحيحا بإذن الله ولكنه نوع من الإرهاق فقط من ممارسة الدورين معا. والمشكلة الأكبر اختنا الفاضلة وهي التي ذكرتُها أيضا واهتممتُ بها في المقالين، أن الأب عندما يعود لا يسترد دوره، وخاصة إن كان على أهبة استعداد لسفر جديد، فنراه يأخذ الدور الآخر – الغير مفترض أن بكون هو دور الرجل - من التدليل ومحاولة إشباع أبنائه ماديا ليظن بذلك انه يشبعهم عاطفيا، فتصبح المشكلة مضاعفة على الزوجة إذ تحاول أن تتقمص دور الرجل في غيابه مضطرة وفي وجوده أكثر اضطرارا لوجود إسراف مبالغ فيه من عطف الأب وحنوه وهو الدور غير المنوط به من الأساس لو لم يكن مسافرا. أما ما ذكرته اختنا الفاضلة من مشكلات صادرة من ابنك ليست بالكبيرة والحمد لله ولكنك تشعرين بعجزك عن مواجهتها نتيجة الضغوط الملقاة عليك وكثرة الأدوار التي تؤدينها في البيت وشعورك بأنك مسئولة بمفردك عن البيت ومشكلاته وان الدور الوحيد الذي يؤديه زوجك هو العمل والإتيان بالمال لكي يقوم البيت، ولا أرى صراخك أو بكاءك بعد كل مرة من معاندة ولدك لك ما هو إلا تعبير فقط عن حاجة بيتك للزوج وللأب في حياتك وحياة أبنائك. ولست أريد أن أخيفك أو أفزعك – ولكنها الحقيقة التي لابد وأن نواجهها ونستعد لها - إن قلت لك بأن مراهقة ولدك لازالت في بداياتها ولا زالت أفعاله ومشكلاته يغلب عليها الصفة الصبيانية وأن المشكلات الحقيقية للمراهق اكبر من هذا بكثير، والتي تحتاج قطعا إلى وجودكم مع الأب والزوج في مكان واحد سواء في السفر إن أمكنه أو بعودته ومحاولة الاسترزاق في بلده حتى لو كان الدخل أقل لان في وجوده – بعد إرادة الله سبحانه عصمة لبيتكم من مشكلات كثيرة، فمهما كانت المغريات المادية هناك للزوج أو لك فلابد من التفكير الجدي في بيتكم وأبنائكم، فنجاح هذا البيت في بناء أفراده لا في شراء أثاث أو بناء جدران. وإذا لم يتيسر أي من الحلين عليك الاستعانة بعد الله سبحانه بمحارمك – وأشدد: محارمك أنت فقط - من الرجال كأخ أو أب أو عم وادخليه في حوارك مع ولدك ليشدد عليه ويتابعه تطوعا حسبة لله سبحانه وبرا بك. الحل ليس عندك اختنا الفاضلة وإنما الحل عند زوجك في المقام الأول ثم عند محارمك إن لم يتيسر لك جمع شمل الأسرة في بلدكم أو في البلد الآخر. والحل المطلوب منك والذي عليك ألا تملي منه هو إخلاص الدعاء لله وكثرة الدعاء لولدك بالهداية وعليك ممارسة دورك كأم فلا تجعلي تلك الظروف أن تجعل بينك وبين ولدك جفوة بسبب شدتك عليه وحزمك معه وصرامتك في الأوامر والصراخ، وعليك أن تجتهدي اجتهادا شديدا في جمع شمل أسرتك مع زوجك لان ما سيواجهه ولدك في الأيام المقبلة وخصوصا مع الفترة - من 12: 15 وهي أحرج الفترات في حياته - ثم بعد دخوله مرحلة الثانوية مختلف تماما عما يواجهه الآن في ظل ما نراه الآن من المغريات والوسائل المختلفة الشديدة والتي تجعل الآباء يعانون فما بالك بك وأنت وحدك. وأخيرا أختي الفاضلة: لا تظني نفسك قد فشلت، فلا تدعي للحزن والاكتئاب أن يتسلل إليك، ولا تقيسي نفسك على زوجات يربين أبناءهن في غياب قسري قدري أو حكمي للآباء، فعند وقوع أي بلاء يدبر الله له أمره، وزوجك لا يمنعه عنكم مانع – متعكم الله بوجوده بينكم – فعليك أن تطردي تلك الأفكار والهموم وابحثي فورا مع زوجك عن حل قريب لعودته بينكم وفقك الله وبارك فيك ورفع الله عنك ما تشعرين به وأعانك مع زوجك على تربية أبنائكما. وأرجو بعد استئذانك أن تسمحي للإدارة - بعد إطلاعك على الرسالة - بنشرها على الموقع مع إخفاء ما تودين إخفاءه من تفاصيل، لعموم الاستفادة بها لان المشكلة يقع فيها كثيرون جداً.