اليوم التالي!
5 شوال 1434
طلعت رميح

مصر في انتظار الصدام وليس يدري أحد لم هذا الإصرار على الصدام..ممهورا بالدم الغزير.الصدام لم يعد فرضية نظرية بل صار واقعا ينتظر شد فتيل القنبلة والانفجار.الإعلام أنهك المواطنين وصنع حالة واضحة ملموسة من هستريا انتقامية ضد الإسلاميين المعتصمين في الميادين بل ضد من يسير منهم في الشوارع،وهو يعمل جاهدا الآن على إعداد الجمهور العام لتقبل رؤية شلال دماء يتدفق دون أن يشعر بالأذى أو يحتج بل يفرح بها.وفي تلك الحملة الإعلامية يلفت النظر استخدام عبارات لا تستخدم إلا في الحروب بين الأعداء،مثل عبارة من لم تلوث أيديهم بدماء المصريين.أجهزة الدولة صارت مستعدة عمليا ونفسيا لتنفيذ أمر الاقتحام التي ما عاد باقيا إلا تحديد وقت القيام بها.ولقد جرت عملية مخططة لوأد كل محاولة للتوافق أو للوصول إلى حلول تمنع الصدام والقتل وربما الاقتتال.وبدا أن هناك من كان يقصد من فتح المجال أمام بعض الوساطات، الحصول على تغطية دبلوماسية دولية وعربية لما جرى الإعداد له من اقتحام، بأقل درجات من الرفض الخارجي،وفي ذلك جرى تحميل المعتصمين نتيجة ما سيسيل من دماء،وهو ما يذكر بتحميل أمريكا لصدام حسين مسؤولية تدمير العراق باعتباره هو من رفض القبول بإملاءات من كان جهز للعدوان على بلاده.وقبل هذا وذاك وفي سبيل الإعداد للصدام جرت عملية مطاردة للقيادات السياسية الرافضة للأمر الواقع الذي فرض في 30 يونيو الماضي.وجرت عملية سياسية مرتبة ومخططة ومتصاعدة لإحداث حالة تخندق وتعسكر الأحزاب والقوى السياسية إلى خندقين ومعسكرين أحدهما يدعو أجهزة الدولة لقتل الآخر.

كل شيء معد لوقوع الصدام.وفي ذلك لا يجدي الحديث الكاشف الذي يجري الآن،عن كيف تحول أصحاب الأطروحات والشعارات الليبرالية، إلى فاشيين يناصرون أعتى أشكال الأفعال الديكتاتورية.ولم يعد يجد القول بأخطاء ارتكبت من قبل التيار الإسلامي خلال حكم الدكتور مرسي،إذ الخطر القادم يمثل نقلة غير مسبوقة في حياة الدولة والمجتمع في مصر.

القادم لم يحدث من قبل،ولا في عام 1954،ولا في الجزائر،كما هو ليس الحادث في سوريا،والفارق الكبير أن الجهة التي سيجرى الاعتداء عليها،تتمسك بالسلمية وتعلن أنها لن ترد وتقول أن جيشها هو صدورها العارية في مواجهة الرصاص.

القادم هو حدث جلل في هذه البلاد وسابقة لم يشهدها التاريخ المصري ولم تجر في التاريخ الإنساني إلا في الميدان السماوي في الصين وفي المكارثية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال الحرب على الشيوعيين،وللأسف هناك من سولت له نفسه أن يتعامل مع أبناء الوطن بذات الطريقة التي تعامل معها المهاجرون الأوروبيون مع أصحاب حضارة الهنود الحمر،وكأننا أمام حالة إبادة حضارية من هؤلاء الذين تبنوا الفكرة الغربية في مصر أو المجتمعات الإسلامية،ضد من يمثلون فكر وهوية وحضارة بلادنا.

لم تعد القضية..مختصرة في فض الاعتصامات.ولا في عودة الرئيس المنتخب محمد مرسي ولا مجلس الشورى والدستور.الأمر أبعد وأخطر بكثير.في اليوم التالي لفض الاعتصامات.نحن أمام نجاح –ولو مرحلي-لوضعية جديدة في سلطة الدولة المصرية. الأخطر الآن ليس قضية الانقلاب ولا عودة مرسي وغيرها،وإنما الأخطر أن هناك خطوات جارية لإعادة تأسيس الدولة المصرية على أساس جديد.نحن أمام نقلة في أيديولوجية وعقيدة الدولة المصرية،تماما كما حديث التغيير في مرحلة الاتاتوركية في تركيا.هذا هو مضمون التغيير الجاري في مصر،وتلك هي الحالة في اليوم التالي..بعد الاقتحام.

القادم تغيير كبير وما نراه من تأسيس للصدام والدموية ليس مسألة صراع سياسي بل هو تغيير في أيديولوجية وعقيدة الدولة المصرية.

 

 

المصدر/ الشرق القطرية