27 رمضان 1434

السؤال

أعاني من العديد من المشاكل فأنا إنسانة أصلي لكن لا أحس بالخشوع، كما إنني عند ذكر عقاب الله لا أخاف أو أبكي، وعند قراءتي للقرآن يأتيني النعاس، كما إنني أغتاب الناس كثيرا ولا أعرف كيف أقلع عن هذه الصفة مع العلم بأن البيئة التي حولي تساعدني على الغيبة.

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

الابنة السائلة..
البعض من الناس يستصغر الذنب فيقترف ذنبا وراء آخر، ونقطة سوداء على القلب وراء أخرى فيغطى القلب بالران، وحينئذ يكون الحجاب الذي بين العبد وربه فلا يتأثر بالموعظة.
لاشك أننا نعلم أن الأسر لا تخلو من العيوب ولكن ما لفت نظري هو آخر كلمات رسالتك "البيئة التي حولي تساعدني على الغيبة"، قد جعل الله تعالى للإنسان عقل للتدبر والتفكر لاختيار طريقه الذي يسير عليه، ففرق الله تعالى بين الذي يتبع هوى نفسه ويؤثر الدنيا ومفاتنها وكيف استعدت له النار لتكون مأواه، وخص الذي يخاف ربه وينهى نفسه عن كل ما يغضبه سبحانه بأن تكون الجنة في انتظاره داراً وقرارا. كما في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعـات:37-41}.
يوضح الله تعالى أيضا في الآيات الكريمة أنه سيأتي يوم للإنسان لا ينفعه من حوله، الكل يهرب لينجو بنفسه، يقول الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:33-37].
البيئة كلها من حولك لا تنفعك، هرب الأخ والأم والأب ومن في الأرض جميعا من حولك،الكل في حاله يرثى لها، فإن لديك العقل لاختيار الطريق الذي سوف تمشين عليه.
أيضا لفت نظري شيء جميل عندك، وهو أنك تحاسبين نفسك، حزينة منها عندما تنجرفين مع من يتبع غيبة الناس، حزينة من عدم خشوعك، كل هذه المحاسبة هي الخطوة الأولى لك للوصول إلى النجاة وبر الأمان وإلى طاعة الله، فلا تخافي فالخير داخلك ولكن كوني ذكية لتنجين بنفسك من الغرق، واعلمي أن من استقام لسانه استقامت جوارحه ومن عصى لسانه وخاض في أعراض الناي خاضت جوارحه وانتهكت حرمات الله تعالى.
فاللسان نعمة من نعم الله العظيمة، ولا يكب الناس على وجوههم في النار يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم، وحذرنا الله تعالى من الغيبة ووضح ذلك بأن الذي يأتي بسيرة أخيه بما يكره في غيبته كمن يأكل لحما ميتا، يقول الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: من الآية12].
وقال تعالى أيضاً: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]، وعنه صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك".
فهل بعد كل هذه التوجيهات الربانية والنصائح النبوية تستطيعين غيبة إخوانك؟!
لذلك عليك أيتها السائلة عدة أمور للنجاة مما أنت فيه:
1- الرجوع إلى الله تعالي وكثرة التوبة والاستغفار مهما شعرت بعدم الخشوع فكان النبي الكريم المعصوم يستغفر ويتوب في اليوم أكثر من مائة مرة.
2- اعلمي أن من حق المسلم على أخيه أن يرد غيبته، فإذا صدرت غيبة أحد في وجودك عليك أن تردي غيبته بطريقة طيبة وتذكري محاسنه والدعاء له بقول اللهم اغفر لنا وله، وعدم موافقة جلسائك على الغيبة فإن أصروا فعليك البعد عن مجالسهم وعدم مجاملة رفقائك في ذلك.
3- لابد من تعويد النفس على الصفح والمسامحة لمن أساء إليك والمبادرة في إصلاح ما بينك وبين من أساء إليك وحاولي البدء بالسلام والصلح لأن خيركم عند الله من يبدأ بالسلام، أما التسامح فيبعد عنك الغيظ، فكلما أشتد غضب الإنسان من أحد تشفى صدره بغيبته.
4- عليك أن تستشعري أن الله رقيب عليك بصير بك عندما تقومين بغيبة أحد، عليم بكل كلمة تقال في حق أحد، قادر، جبار، منتقم، حي، قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم. فالخشوع يأتي لقلبك عندما تستشعرين بعظمة الله تعالى ووجوده حولك ولو كنت وحدك وفي قعر بيتك.
5- حاولي مصاحبة الصالحات فالمرء على دين خليله، ليكن عونا لك على طاعة الله تعالى، والذهاب إلى دروس العلم الشرعي بأي مسجد قريب ففي بيت الله تعالى ستتعلمين الخير الكثير وتتنزل الرحمة والسكينة والمغفرة على الجلساء جميعهم.
6- عليك بالمحافظة على صلواتك فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وكثرة ذكر الله تعالى فالذكر يمحو الخطايا، والعودة إلى كتاب الله تعالى ومحاولة قراءة ورد يومي ولو قليل، لأن قراءة الحرف الواحد من القرآن بحسنه والحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء، وعليك أن تعلمي أن كل مشاكلك لا تنتهي إلا بالقرب من الله تعالى وطلب رضاه.
7- أما بالنسبة للنعاس الذي يأتيك عند قراءة القرآن فهو من عمل الشيطان فحاولي التخلص من ذلك عن طريق عدم قراءتك آخر النهار وأنت مجهدة، بل عليك القراءة عند استيقاظك من النوم وأنت في أتم النشاط والحيوية.
الابنة السائلة
اعلمي أن هذه الدنيا زائلة، ولابد أن يأتي اليوم الذي يقابل كل منا ربه، فقد يكون ذلك اللقاء فجأة، بعد ساعة.. أو بعد يوم.. أو بعد شهر، فلا ينفعك الرفقاء ولا ينفعك سوى عملك فعليك الاستعداد لهذا اليوم بقدر ما تستطيعين، ولا تنسي قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281].