17 ذو القعدة 1434

السؤال

السلام عليكم.. أنا طالبه جامعية وعندي أخت واحدة متزوجة، كان زواجها عن طريق الحب، وبعد زواجهما بسنة بدأ زوجها يحاول أن يتقرب مني، ومرة مسك يدي وطلب مني أن لا أرتدي حجاب الشعر، من ذلك اليوم فقدت ثقتي به، وعندما أخبرت أمي وأختي بالأمر، طلبت منه أختي الطلاق، فتوسل إليها أن تسامحه فسامحته، وبعد مضي ثلاث سنوات على هذا الحادث، كرر نفس الشيء ومن ذلك اليوم قررت أن لا أراه ولا اسلم عليه، وأخبرت أختى بذلك، إلا أنه يكذب عليها كثيرا ويقول لها بأنه يعاملني كأخته، وقبل أسبوعين حاول مجددا أن يتواصل معي عبر الفيسبوك وقال لي أتمنى أن تعودي كما السابق وتكوني كأخت لي، ولكنه يجعلني أشك بأمره خاصة وأنه يحدثني كما العشاق لا الاخوة، ومن ذلك اليوم وهو يحاول بكل الطرق أن يقترب مني ويتواصل معي، وهذا جعلني أصاب بالاكتئاب، حتى أن أختي شعرت بحالتي واعترف لها زوجها بأنه حاول أن يتواصل معي عبر الفيسبوك ليطلب مني أن أسامحه وأن أعتبره كأخ لي، ولكن أمي لا تثق به فطلبت مني أن لا أتواصل معه نهائيا ولا أتحدث إليه أبدا، وإذا رأيته أو قابلته في أي مكان أن أغادره، فتدهورت حالتي النفسية وأصبحت أخاف من الجميع ولا أثق بأحد، وأصبحت عنصرية جدا أكره قوميته، وأخشى أن أخبر والدي بالموضوع فيتضخم المشكل، وأخشى أن أحمل أختي همومي وأحكي لها عن زوجها فأكون سببا في طلاقها منه وهي أم لبنتين، وأنا لا أعرف ما هو حل مشكلتي؟ ولا أعرف هل زوج أختي نادم حقا أم يكذب علي ويخدعني؟ أريد رأيكم السديد فقد يئست من طول التفكير وعدم البوح.. وأشكركم جزيلا

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكر لك رسالتك، وثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك، ومشكلتك التي وردت في رسالتك تعاني منها كثير من النساء والفتيات بسبب الاختلاط بغير المحارم سواء بالشارع أو العمل أو الأسواق أو الأماكن العمومية أو داخل البيت، والتي تؤدي في حالات كثيرة إلى انتشار الفساد وانتشار النزوات وإثارة الشهوات وربط علاقات محرمة..
ومشكلتك أختي الكريمة سببها الرئيسي هو:
ـ الاختلاط الذي سمح لك ولزوج أختك بالتواصل واقتراب بعضكما من بعض، وبالتالي ارتباطه بك عاطفيا، والذي تجاوز إلى حد إمساك يدك، وقد كان من الممكن أن تتطور علاقته بك فتقعان في المحظور والحرام لولا ستر الله وحفظه..
ـ والسبب الثاني هو خوفك وترددك في حسم هذا المشكل بشكل نهائي، والذي جعل زوج أختك يتمادى في تصرفاته ونزواته، ويتجرأ بالتقرب إليك أكثر من مرة، على الرغم من أنه اعتذر لزوجته وبرر تصرفاته المشبوهة وعلاقته بك بأنها لا تتعدى أن تكون علاقة بريئة وأخوية..
ـ السبب الثالث هو غياب الرقابة والحماية الأسرية، فأين وظيفة الأب والأم المسؤولَيْن عن رعايتك وحمايتك من أي نوع من أنواع الاستغلال أو الانتهاك لحرمتك ولعرضك؟ وكيف لم يستطيعا أن يمنعا عنك التعرض لأي نوع من أنواع الأذى النفسي أو الجسدي..؟
فكان من باب أولى أن يجعلا زيارتك لبيت أختك تحت رقابتهم وبرفقتهم وصحبتهم، وبالتالي لا تتحقق الخلوة بينك وبين زوج أختك، وتقفل أمامه كل أبواب التواصل بينكما، وكل الطرق التي تسمح له بأن يتقرب منك أو يتعرض لك بأي شكل من أشكال الأذى..
ـ السبب الرابع محوره وبطلته هي أنت..
فكيف سمحت أختي الكريمة لهذا الرجل وإن كان زوج أختك بأن يتدخل بشؤونك ويتجرأ فيمنعك من فرض من فروض الشرع الواجبة عليك وهو ارتداؤك للحجاب؟ ثم كيف سمحت له بعد أن اكتشفت نواياه الخبيثة حتى وإن اعتذر أن تتواصلي معه بعد ذلك ولو على صفحة من صفحات التواصل الاجتماعي " الفيسبوك"؟ ولماذا لم تقطعي صلتك به بشكل نهائي، ولم تتخذي في حقه تصرفا عمليا يوقفه عند حده، ويمنعه من أن يتجرأ بالتحدث إليك والتطاول عليك بألفاظ العشق المحرمة خارج إطار الزواج؟
إن غايتي أختي الكريمة من ذكر هذه الأسباب لمعاناتك الحقيقية مساعدتك في إيجاد حلول لها، والآن أطرح عليك الخطوات العملية اللازمة لحلها..
وهذه الخطوات على النحو التالي:
أولا: تجنبي الاختلاط بزوج أختك بشكل نهائي لحماية نفسك، فاختلاط النساء بالرجال في مكان واحد، ودخول بعضهم على بعض ومزاحمة بعضهم لبعض، من الأمور المحرّمة شرعا، ومن أسباب انتشار الفتن والشهوات، ومن دّواعي الوقوع في الفواحش والآثام، ولهذا منع النبي محمد صلى الله عليه وسلم اختلاط الرّجال بالنساء حتى في المساجد، وفصل صفوف النّساء عن الرّجال، فعن أم سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ "، وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا "..
وإذا كان المنع من الاختلاط قد شمل خير البقاع وأطهرها وهي المساجد فكيف بما دونها، فالحذر فيها من الاختلاط من باب أولى.
ثانيا: عليك بارتداء الحجاب الشرعي الساتر السابغ، فإذا بلغت الفتاة مبلغ النساء وجب عليها ارتداء الحجاب، فحجابك يجسد حياءك وعفتك وحشمتك، فإن المؤمنة التقية يدل مظهرها على مخبرها، ولباسك هو دليل إيمانك وصلاح أحوالك وتصرفاتك، وأمارة من أمارات تقواك، التي تفرض هيبتك واحترامك على الجميع، وتكف أذى الرجال وطمعهم بك، كما قال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)، وقوله تعالى في شأن أمهات المؤمنين قوله: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)..
ثالثا: تجنبي الاختلاء بزوج أختك في مكان واحد يسمح بأن تدور بينكما أحاديث تكون ذريعة للوقوع فيما حرم الله أو تكون سببا لهيجان الشهوات بينكما، وأغلقي كل باب يمكن أن ينفذ من خلاله إليك أو أن يقابلك بعيدا عن أنظار أهلك، وقلِّلي من فرص إمكانية رؤيتك أو التقرب إليك حتى مع وجود الآخرين..
رابعا: امتنعي عن محادثته بشكل نهائي سواء هاتفيا أو عبر الانترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، دفعًا للمفسدة، ودفعًا لكل ما يثير الحواسّ بين الرجال والنساء، وحتى لو اتصل بك عليك أن لا تردي على اتصالاته لأي سبب من الأسباب، لأن انسجامك معه في الحديث معناه أنك راضية عن تصرفاته المشبوهة وعن أقواله المشينة وإن أظهرت خلاف ذلك، ويجعل له فيك مطمعًا، ولهذا شمل التحذير الإلهي للنساء من الخضوع بالقول أو أن يكون حديثهن مع الرجال على وجه اللين وترخيم الصوت فقال تعالى: (ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) إلا ما شمل القول المعروف الذي لا تنكره النفوس ولا تنكره الشريعة..
خامسا: حكّمي شرع الله في أقوالك وأفعالك وأحوالك وتصرفاتك ولا تحكّمي عواطفك وأهوائك، ولا تستسلمي للواقع، لأن من يحكمنا كتاب الله وسنة نبينا وهما مرجعنا لا أهواؤنا ولا أهواء الناس ولا الواقع..
سادسا: الْزمي الطاعة والتقرب إلى الله وطلب المعونة منه، والتوجه إليه في جوف الليل، والدعاء والتضرع والابتهال إليه، بصدق وعزيمة أن يعينك ويخلصك من هذا المأزق، وأن يبعد عنك زوج أختك ويحميك من شره وأذاه، وأن يصرفه عنك ويصرفك عنه وأن يكون لك نصيراً ومعيناً.
سابعا: في الغالب إذا اتبعت هذه الخطوات سينقطع زوج أختك عن ملاحقتك، ولكن في حالة إذا ما أصر على ضلاله وغيه، فهنا لا بد أن تستعيني بمن تثقين به ليكون عوناً لك وسندا، والأفضل أن يكون من أقاربك كأخوك أو خالك أو عمك أو غيرهم ممن تثقين برجاحة عقلهم وحكمتهم وحسن تصرفهم في مثل هذه القضايا والمشكلات، بحيث يتم حلها في هدوء دون أن يفتضح الأمر ويتضخم، وتظل بالتالي علاقتك بزوج أختك محل مراقبة ومتابعة وحصانة..
ثامنا: اتخذي موقفا ملتزما وجريئا وصريحا اتجاه زوج أختك في حالة ما إذا اعترض طريقك أو حاول التقرب إليك ثانية، وهدديه بإخبار أسرته مثلا أو من تعلمين أنه يخشاهم ويهاب سلطتهم ومعرفتهم بالأمر، ومن يخاف أن تسوء سمعته لديهم لو علموا بنزواته، وإذا استلزم الأمر وفشلت كل محاولاتك في ردع نزوات زوج أختك ورده عن غيه، ولم تجدي قريبا معينا إلا والدك، هنا لا تترددي أن تخبريه بأمرك لأنه من باب أولى، حتى يحقق لك الحماية، فلا يردع الرجل إلا رجل أقوى منه يخافه ويخشاه..
وختاما: عليك بإنهاء المشكلة، والوقوف بوجه زوج أختك بحزم، مهما ترتب على ذلك من مشاكل، ومهما حصل من التبعات ستظل أهون بكثير من البقاء على هذا الحال المحفوف بمخاطر الوقوع بالحرام..
وأقترح عليك أن تحصني نفسك بالتعجيل بالزواج ممن هو كفؤ وممن ترينه مناسباً لك، ولعل ذلك يكون بإذن الله تعالى بداية النهاية لمأساتك، والخطوة الأولى في طريق الخلاص من معاناتك..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم من بيده مقاليد الأمور، أن يجعل لكِ من أمرك مخرجا وفرجا قريبا، وأن يرزقك السداد والرشاد، وأن يصرف عنك الحرام ومن يريد بك الوقوع في الحرام، وأن يبعد عنكِ كل معتد أثيم، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في الدنيا، ويصونك ويحميك ويكون عونا لك على طاعة الله ورضاه ويأخذ بيدك إلى أبواب الخير، إنه سميع مجيب الدعاء.